وذرّاه على الماء وقتل من القوم من استحق القتل ، وصعد إلى الجبل في اليوم الثالث والعشرين من تموز ليشفع في الباقين من القوم ، ونزل في اليوم الثاني من أيلول بعد الوعد من الله له بتعويضه لوحين آخرين مكتوبا عليهما ما كان في اللوحين الأوّلين ، فصعد إلى الجبل وأقام أربعين ليلة أخرى ، وذلك من ثالث أيلول إلى اليوم الثاني عشر من تشرين ، ثم أمره الله بإطلاح القبة وكان طولها ثلاثين ذراعا في عرض عشرة أذرع وارتفاع عشرة أذرع ، ولها سرادق مضروب حواليها مائة ذراع في خمسين ذراعا وارتفاع خمسة أذرع. فأخذ القوم في إصلاحها وما تزين به من الستور من الذهب والفضة والجواهر ستة أشهر الشتاء كله ، ولما فرغ منها نصبت في اليوم الأوّل من نيسان في أوّل السنة الثانية ، ويقال أنّ موسى عليهالسلام حارب هنالك العرب ، مثل طسم وجديس والعماليق وجرهم وأهل مدين حتى أفناهم جميعا ، وأنه وصل إلى جبل فاران ، وهو مكة ، فلم ينج منهم إلّا من اعتصم بملك اليمن أو انتمى إلى بنى إسماعيل عليهالسلام ، وفي ثلثي الشهر الباقي من هذه السنة ظعن القوم في برّية الطور بعد أن نزلت عليهم التوراة ، وجملة شرائعها ستمائة وثلاث عشرة شريعة ، وفي آخر الشهر الثالث حرّمت عليهم أرض الشام أن يدخلوها ، وحكم الله تعالى عليهم أن يتيهوا في البرّية أربعين سنة ، لقولهم نخاف أهلها لأنهم جبارون ، فأقاموا تسع عشرة سنة في رقيم ، وتسع عشرة سنة في أحد ، وأربعين موضعا مشروحة في التوراة ، وفي اليوم السابع من شهر أيلول من السنة الثانية خسف الله بقارون وبأوليائه بدعاء موسى عليهالسلام عليهم لما كذبوا ، وفي شهر نيسان من السنة الأربعين توفيت مريم ابنة عمران أخت موسى عليهالسلام ، ولها مائة وست وعشرون سنة.
وفي شهر آب منها مات هارون عليهالسلام وله مائة وثلاث وعشرون سنة ، ثم كان حرب الكنعانيين وسيحون والعوج صاحب البثنية من أرض حوران. في الشهور التي بعد ذلك إلى شهر شباط ، فلما أهلّ شباط أخذ موسى في إعادة التوراة على القوم ، وأمرهم بكتب نسختها وقراءتها وحفظ ما شاهدوه من آثاره وما أخذوه عنه من الفقه ، وكان نهاية ذلك في اليوم السادس من آذار ، وقال لهم في اليوم السابع منه : إني في يومي هذا استوفيت عشرين ومائة سنة ، وإنّ الله قد عرّفني أنه يقبضني فيه ، وقد أمرني أن أستخلف عليكم يوشع بن نون ومعه السبعون رجلا الذين اخترتهم قبل هذا الوقت ، ومعهم العازر بن هارون أخي فاسمعوا له وأطيعوا ، وأنا أشهد عليكم الله الذي لا إله إلّا هو ، والأرض والسماوات ، أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ولا تبدّلوا شرائع التوراة بغيرها ، ثم فارقهم وصعد الجبل فقبضه الله تعالى هناك وأخفاه ، ولم يعلم أحد منهم قبره ولا شاهده ، وكان بين وفاة موسى وبين الطوفان ألف وستمائة وست وعشرون سنة ، وذلك في أيام منوجهر ملك الفرس ، وزعم قوم أن موسى كان ألثغ ، فمنهم من جعل ذلك خلقة ، ومنهم من زعم