جلّ ذكره أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم وربّ آبائكم الأوّلين ، وأقاما له مذبحا بمدينة شمرون ، فأرسل الله عزوجل إلى أحؤب عبده إلياس رسولا لينهاه عن عبادة وثن بعل ، ويأمره بعبادة الله تعالى وحده ، وذلك قول الله عزوجل من قائل : (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ) [الصافات / ١٢٣ ـ ١٢٦] ولما أيس من أيمانهم بالله وتركهم عبادة الوثن ، أقسم في مخاطبته أحؤب أن لا يكون مطر ولا ندا ، ثم تركه. فأمره الله سبحانه أن يذهب ناحية الأردن ، فمكث هناك مختفيا ، وقد منع الله قطر السماء حتى هلكت البهائم وغيرها ، فلم يزل إلياس مقيما في استتاره إلى أن جف ما كان عنده من الماء ، وفي طول إقامته كان الله جلّ جلاله يبعث إليه بغربان تحمل له الخبز واللحم.
فلما جف ماؤه الذي كان يشرب منه لامتناع المطر أمره الله أن يسير إلى بعض مدائن صيدا ، فخرج حتى وافي باب المدينة ، فإذا امرأة تحتطب ، فسألها ماء يشربه وخبزا يأكله ، فأقسمت له أن ما عندها إلّا مثل غرفة دقيق في إناء ، وشيء من زيت في جرّة ، وأنها تجمع الحطب لتقتات منه هي وابنها ، فبشرها إلياس عليهالسلام وقال لها لا تجزعي وافعلي ما قلت لك ، واعملي لي خبزا قليلا قبل أن تعملي لنفسك ولولدك ، فإن الدقيق لا يعجز من الإناء ، ولا الزيت من الجرّة حتى ينزل المطر ، ففعلت ما أمرها به وأقام عندها ، فلم ينقص الدقيق ولا الزيت بعد ذلك إلى أن مات ولدها وجزعت عليه ، فسأل إلياس ربه تعالى فأحيي الولد ، وأمره الله أن يسير إلى أحؤب ملك بني إسرائيل لينزل المطر عند إخباره له بذلك ، فسار إليه وقال له : أجمع بني إسرائيل وأبناء بعال. فلما اجتمعوا قال لهم إلياس : إلى متى هذا الضلال ، إن كان الرب الله فاعبدوه ، وإن كان بعال هو الله فارجعوا بنا إليه ، وقال : ليقرّب كلّ منا قربانا ، فأقرّب أنا لله ، وقرّبوا أنتم لبعال ، فمن تقبل منه قربانه ونزلت نار من السماء فأكلته فإلهه الذي يعبد فلما رضوا بذلك أحضروا ثورين واختاروا أحدهما وذبحوه ، وصاروا ينادون عليه يال بعال يال بعال ، وإلياس يسخر بهم ويقول : لو رفعتم أصواتكم قليلا فلعلّ إلهكم نائم أو مشغول ، وهم يصرخون ويجرحون أيديهم بالسكاكين ، ودماءهم تسيل. فلما أيسوا من أن تنزل النار وتأكل قربانهم ، دعا إلياس القوم إلى نفسه ، وأقام مذبحا وذبح ثوره وجعله على المذبح وصبّ الماء فوقه ثلاث مرّات ، وجعل حول المذبح خندقا محفورا ، فلم يزل يصب الماء فوق اللحم حتى امتلأ الخندق من الماء ، وقام يدعو الله عزّ اسمه وقال في دعائه : اللهمّ أظهر لهذه الجماعة أنك الربّ ، وأني عبدك عامل بأمرك. فأنزل الله سبحانه نارا من السماء أكلت القربان وحجارة المذبح التي كان فوقها اللحم وجميع الماء الذي صبّ حوله. فسجد القوم أجمعون وقالوا نشهد أن الربّ الله. فقال إلياس : خذوا أبناء