فاختفى كثير منهم ، وألجأت الضرورة عدّة من أعيانهم إلى إظهار الإسلام أنفة من لبس الأزرق وركوب الحمير ، وقد أكثر شعراء العصر في ذكر تغيير زيّ أهل الذمّة ، فقال علاء الدين عليّ بن مظفر الوداعيّ :
لقد ألزم الكفار شاشات ذلة |
|
تزيدهم من لعنة الله تشويشا |
فقلت لهم ما ألبسوكم عمائما |
|
ولكنهم قد ألزموكم براطيشا |
وقال شمس الدين الطيبي :
تعجبوا للنصارى واليهود معا |
|
والسامريين لما عمموا الخرقا |
كأنما بات بالأصباغ منسهلا |
|
نسر السماء فأضحى فوقهم زرقا |
فبعث ملك برشلونة في سنة ثلاث وسبعمائة هدية جليلة زائدة عن عادته ، عمّ بها جميع أرباب الوظائف من الأمراء مع ما خص به السلطان ، وكتب يسأل في فتح الكنائس ، فاتفق الرأي على فتح كنيسة حارة زويلة لليعاقبة ، وفتح كنيسة البندقانيين من القاهرة ، ثم لما كان يوم الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، هدمت كنائس أرض مصر في ساعة واحدة ، كما ذكر في أخبار كنيسة الزهريّ ، وفي سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، رسم بتحرير ما هو موقوف على الكنائس من أراضي مصر ، فأناف على خمسة وعشرين ألف فدان ، وسبب الفحص عن ذلك ، كثرة تعاظم النصارى وتعدّيهم في الشرّ والإضرار بالمسلمين ، لتمكنهم من أمراء الدولة وتفاخرهم بالملابس الجليلة ، والمغالاة في أثمانها ، والتبسط في المآكل والمشارب ، وخروجهم عن الحدّ في الجراءة والسلاطة ، إلى أن اتفق مرور بعض كتاب النصارى على الجامع الأزهر من القاهرة ، وهو راكب بخف ومهماز وبقباء إسكندريّ طرح على رأسه ، وقدّامه طرّادون يمنعون الناس من مزاحمته ، وخلفه عدّة عبيد بثياب سرية على أكاديش فارهة ، فشق ذلك على جماعة من المسلمين ، وثاروا به وأنزلوه عن فرسه وقصدوا قتله ، وقد اجتمع عالم كبير ، ثم خلوا عنه ، وتحدّد جماعة مع الأمير طاز في أمر النصارى وما هم عليه ، فوعدهم بالإنصاف منهم ، فرفعوا قصة على لسان المسلمين قرئت على السلطان الملك الصالح صالح بحضرة الأمراء والقضاة وسائر أهل الدولة ، تتضمن الشكوى من النصارى ، وأن يعقد لهم مجلس ليلتزموا بما عليهم من الشروط ، فرسم بطلب بطرك النصارى وأعيان أهل ملتهم ، وبطلب رئيس اليهود وأعيانهم ، وحضر القضاة والأمراء بين يدي السلطان ، وقرأ القاضي علاء الدين عليّ بن فضل الله كاتب السرّ العهد الذي كتب بين المسلمين وبين أهل الذمّة ، وقد أحضروه معهم ، حتى فرغ منه ، فالتزم من حضر منهم بما فيه وأقرّوا به ، فعدّدت لهم أفعالهم التي جاهروا بها وهم عليها ، وأنهم لا يرجعون عنها غير قليل ، ثم يعودن إليها كما فعلوه غير مرّة فيما سلف ، فاستقرّ الحال على أن يمنعوا من المباشرة بشيء من ديوان السلطان ودواوين الأمراء