تقولون في القصير؟ قلنا قصير موسى. فقال : ليس بقصير موسى ، ولكنه قصير عزيز مصر ، كان إذا جرى النيل يترفع فيه. وعلى ذلك إنه لمقدّس من الجبل إلى البحر. قال : ويقال بل كان موقدا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من منف إلى عين شمس ، وكان على المقطم موقد آخر ، فإذا رأوا النار علموا بركوبه فأعدّوا له ما يريد ، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس ، والله أعلم ، وما أحسن قول كشاجم :
سلام على دير القصير وسفحه |
|
بجنات حلوان إلى النخلات |
منازل كانت لي بهنّ مآرب |
|
وكنّ مواخيري ومنتزهاتي |
إذا جئتها كان الجياد مراكبي |
|
ومنصرفي في السفن منحدرات |
فأقبض بالأسحار وحشيّ عينها |
|
وأقتنص الأنسيّ في الظلمات |
معي كلّ بسام أغرّ مهذب |
|
على كل ما يهوى النديم مواتي |
ولحمان مما أمسكته كلابنا |
|
علينا ومما صيد في الشبكات |
وكأس وابريق وناي ومزهر |
|
وساق غرير فاتر اللحظات |
كأنّ قضيب البان عند اهتزازه |
|
تعلم من أعطافه الحركات |
هنالك تصفو لي مشارب لذتي |
|
وتصحب أيام السرور حياتي |
وقال علماء الأخبار من النصارى : إن أرقاديوس ملك الروم طلب أرسانيوس ليعلّم ولده ، فظنّ أنه يقتله ، ففرّ إلى مصر وترهب ، فبعث إليه أمانا وأعلمه أن الطلب من أجل تعليم ولده ، فاستعفى وتحوّل إلى الجبل المقطم شرقيّ طرا ، وأقام في مغارة ثلاث سنين ومات ، فبعث إليه أرقاديوس فإذا هو قد مات ، فأمر أن يبنى على قبره كنيسة ، وهو المكان المعروف بدير القصير ، ويعرف الآن بدير البغل ، من أجل أنه كان به بغل يستقي عليه الماء ، فإذا خرج من الدير أتى الموردة ، وهناك من يملأ عليه ، فإذا فرغ من الماء تركه فعاد إلى الدير. وفي رمضان سنة أربعمائة أمر الحاكم بأمر الله بهدم دير القصير ، فأقام الهدم والنهب فيه مدّة أيام.
دير مرحنا : قال الشابشتي : دير مرحنا على شاطىء بركة الحبش ، وهو قريب من النيل ، وإلى جانبه بساتين أنشأ بعضها الأمير تميم بن المعز ، ومجلس على عمد ، حسن البناء مليح الصنعة مسوّر ، أنشأه الأمير تميم أيضا ، وبقرب الدير بئر تعرف ببئر مماتي ، عليها جميزة كبيرة يجتمع الناس إليها ويشربون تحتها ، وهذا الموضع من مغاني اللعب ومواطن القصف والطرب ، وهو نزه في أيام النيل وزيادة البحر وامتلاء البركة ، حسن المنظر في أيام الزرع والنواوير ، لا يكاد حينئذ يخلو من المتنزهين والمتطربين ، وقد ذكرت الشعراء حسنه وطيبه ، وهذا الدير يعرف اليوم بدير الطين بالنون.
دير أبي النعناع : هذا الدير خارج انصنا ، وهو من جملة عماراتها القديمة ، وكنيسته