السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدّم ذكره. ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة ، سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكميّ وجامع مصر وغيره ، فتقاسم أمراء الدولة عمارة الجوامع ، فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة الجامع الحاكميّ ، وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهر ، وتولى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار عمارة جامع الصالح ، فجدّدوا مبانيها وأعادوا ما تهدّم منها. ثم جدّدت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن عليّ الأسعرديّ ، محتسب القاهرة ، في سنة خمس وعشرين وسبعمائة. ثم جدّدت عمارته في سنة إحدى وستين وسبعمائة ، عند ما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصريّ ، في دار الأمير فخر الدين أبان الزاهديّ الصالحيّ النجميّ بخط الأبارين بجوار الجامع الأزهر ، بعد ما هدمها وعمرها داره التي تعرف هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار ، فأحب لقربه من الجامع أن يؤثر فيه أثرا صالحا ، فاستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في عمارة الجامع ، وكان أثيرا عنده خصيصا به ، فأذن له في ذلك.
وكان قد استجدّ بالجامع عدّة مقاصير ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته ، فأخرج الخزائن والصناديق ونزع تلك المقاصير ، وتتبع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى عادت كأنها جديدة ، وبيّض الجامع كله وبلطه ، ومنع الناس من المرور فيه ، ورتب فيه مصحفا وجعل له قارئا ، وأنشأ على باب الجامع القبليّ حانوتا لتسبيل الماء العذب في كلّ يوم ، وعمل فوقه مكتب سبيل لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ، ورتب للفقراء المجاورين طعاما يطبخ كلّ يوم ، وأنزل إليه قدورا من نحاس جعلها فيه ، ورتب فيه درسا للفقهاء من الحنفية يجلس مدرّسهم لإلقاء الفقه في المحراب الكبير ، ووقف على ذلك أوقافا جليلة باقية إلى يومنا هذا ، ومؤذنو الجامع يدعون في كلّ جمعة وبعد كلّ صلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه.
وفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة ولي الأمير الطواشي بهادر المقدّم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر ، فتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأنّ من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعيّ وترك موجودا فإنه يأخذه المجاورون بالجامع ، ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحريّ. وفي سنة ثمانمائة هدمت منارة الجامع ، وكانت قصيرة ، وعمّرت أطول منها ، فبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة ، وكملت في ربيع الآخر من السنة المذكورة ، فعلّقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر ، وأوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها ، واجتمع القرّاء والوعاظ بالجامع وتلوا ختمة شريفة ، ودعوا للسلطان فلم تزل هذه المئذنة إلى شوّال سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فهدمت لميل ظهر فيها ، وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع