درج بخط أبيه فيه وصية ، وثبت بما خلفه مفصلا ، وأن ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ، لا يستحق أحد من أولاده منه درهما ، وكان مبلغ ذلك نحو المأئتي ألف دينار ، وما بين عين ومتاع ودواب ، قد أوقف جميع ذلك تحت القصر ، فأخذ الحاكم الدرج ونظره ثم أعاده إلى أولاد جيش وخلع عليهم وقال لهم بحضرة وجوه الدولة : قد وقفت على وصية أبيكم رحمهالله وما وصى به من عين ومتاع ، فخذوه هنيئا مباركا لكم فيه. فانصرفوا بجميع التركة ، وولي دمشق فحل بن تميم ، ومات بعد شهور فولي عليّ بن فلاح ، وردّ النظر في المظالم لعبد العزيز بن محمد بن النعمان ، ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبته بسيدنا ومولانا إلّا أمير المؤمنين وحده ، وأبيح دم من خالف ذلك ، وفي شوّال قتل ابن عمار.
وفي سنة إحدى وتسعين واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة ، فكان يشق الشوارع والأزقة ، وبالغ الناس في الوقود والزينة ، وأنفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو ، وكثر تفرّجهم على ذلك حتى خرجوا فيه عن الحدّ ، فمنع النساء من الخروج في الليل ، ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت. وفي رمضان سنة اثنتين وتسعين قلّد تموصلت بن بكّار دمسق ، عوضا عن ابن فلاح ، وابتدأ في عمارة جامع راشدة في سنة ثلاث وتسعين ، وقتل فهد بن إبراهيم وله منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما ، في ثامن جمادى الآخرة منها ، وأقيم في مكانه عليّ بن عمر العدّاس ، وسار الأمير ما روح لإمارة طبرية ، ووقع الشروع في إتمام الجامع خارج باب الفتوح ، وقطع الحاكم الركوب في الليل ، ومات تموصلت فولي دمشق بعده مفلح اللحيانيّ الخادم ، وقتل عليّ بن عمر العدّاس والأستاذ زيدان الصقليّ وعدّة كثيرة من الناس ، وقلد إمارة برقة صندل الأسود في المحرّم سنة أربع وتسعين ، وصرف الحسين بن النعمان عن القضاء في رمضان منها ، وكانت مدّة نظره في القضاء خمس سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما ، وإليه كانت الدعوة أيضا ، فيقال له قاضي القضاة وداعي الدعاة ، وقلد عبد العزيز بن محمد بن النعمان وظيفة القضاء والدعوة ، مع ما بيده من النظر في المظالم. وفي سنة خمس وتسعين أمر النصارى واليهود بشدّ الزنار ولبس الغيار ، ومنع الناس من أكل الملوخية والجرجير والتوكلية والدلينس ، وذبح الأبقار السليمة من العاهة إلّا في أيام الأضحية ، ومنع من بيع الفقاع وعمله البتة ، وأن لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر ، وأن لا تكشف امرأة وجهها في طريق ، ولا خلف جنازة ، ولا تتبرّج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ، ولا يصطاده أحد من الصيادين ، وتتبع الناس في ذلك كله وشدّد فيه ، وضرب جماعة بسبب مخالفتهم ما أمروا به ونهوا عنه مما ذكر ، وخرجت العساكر لقتال بني قرّة أهل البحيرة ، وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر سبّ السلف ولعنهم ، وأكره الناس على نقش ذلك وكتابته بالأصباغ في سائر المواضع ، وأقبل الناس من