الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجماليّ في شعبان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، وبلغت النفقة على بنائه ستة آلاف دينار ، وإنما قيل له جامع الفيلة لأنّ في قبلته تسع قباب في أعلاه ذات قناطر ، إذا رآها الإنسان من بعيد شبهها بمدّرعين على فيلة ، كالتي كانت تعمل في المواكب أيام الأعياد ، وعليها السرير وفوقها المدّرعون أيام الخلفاء ، ولما كمل أقام في خطابته الشريف الزكيّ أمين الدولة أبا جعفر محمد بن محمد بن هبة الله بن عليّ الحسينيّ الأفطسيّ النسابة الكاتب الشاعر الطرابلسيّ ، بعد صرفه من قضاء الغربية ، فلما رقى المنبر أوّل خطبة أقيمت في هذا الجامع قال : بسم الله الحمد لله ، وأرتج عليه فلم يدر ما يقول ، وكان هناك الشيخ أبو القاسم عليّ بن منجب بن الصيرفيّ الكاتب ، وولده مختص الدولة أبو المجد ، وأبو عبد الله بن بركات النحويّ ، ووجوه الدولة. فلما أضجر من حضر نزل عن المنبر وقد حمّ ، فتقدّم قيم الجامع وصلّى ومضى الشريف إلى داره فاعتلّ ومات. وكان قد ولي قضاء عسقلان وغيرها ، ثم قدم إلى مصر فولي الحكم بالمحلة ، وولي ديوان الأحباس ، وكان أحد الأعيان الأدباء العارفين بالنسب ، ومن الشعراء المجيدين والنحاة اللغويين ، ولد بطرابلس الشام في سنة اثنتين وستين وأربعمائة ، وقدم إلى القاهرة في سنة إحدى وخمسمائة ، ومدح الأفضل ، ومات في سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وخمسمائة ، وقد ترشح للنقابة بمصر ولم ينلها مع تطلعه إليها ، وذيل كتاب أبي الغنائم الزيديّ النسابة ، ومن شعره بديها ، وقد نام مع جاريته على سطوح فطلع القمر عليهما فارتاعا من كشف الجيران عليهما :
ولمّا تلاقينا وغاب رقيبنا |
|
ورمت التشكي في خلو وفي سرّ |
بدا ضوء بدر فافترقنا لضوئه |
|
فيا من رأى بدرا ينمُّ على بدر |
وأهل المطالب يذكرون أنّ الأفضل وجد بموضع الصهريج مطلبا ، فختم عليه أشهرا إلى أن نقله وعمله صهريجا وبنى عليه هذا المسجد ، وهذا الشرف الذي عليه جامع الفيلة منظرة في غاية الحسن ، لأنّ في قبليه بركة الحبش وبستان الوزير المغربيّ والعدوية ودير النسطورية وبئر أبي سلامة ، وهي بئر مدوّرة برسم الغنم ، وبئر النعش ، كان يستقي منها أصحاب الزوايا ، وهي بجوار عفصة الصغرى ، وهي بئر أبي موسى بن أبي خليد ، وسميت بئر النعش لأنها على هيئة النعش ، وماؤها يهضم الطعام وهو أصح الأمواه ، وشرقيّ هذا الجبل : جبل المقطعم والجبانة والمغافر والقرافة وآخر الأكحول وريحان ورعين والكلاع والأكسوع ، وغربيّ هذا الجبل : المعشوق والنيل وبستان اليهوديّ إلى القبلة ، وطموه والأهرام وراشدة ، وبحريّ هذا الجبل بستان الأمير تميم ، وقنطرة خليج بني وائل ، ودير المعدّلين ، وعقبة بحصب ، ومحرى قسطنطين ، والشرف وغير ذلك. وهذا الجامع لا تقام فيه اليوم جمعة ولا جماعة لخراب ما حوله من القرافة وراشدة ، وينزل فيه أحيانا طائفة من العرب بإبلهم يقال لهم المسلمية ، وعما قليل يدثر كما دثر غيره.