فلما قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة أدخل هذا الدير في القصر ، وهو موضع الركن المخلق تجاه الحوض المذكور ، وجعل هذه البئر مما ينتفع به في القصر ، وهي تعرف ببئر العظام ، وذلك أن جوهر انقل من الدير المذكور عظاما كانت فيه من رمم قوم يقال أنهم من الحواريين ، فسميت بئر العظام ، والعامّة تقول إلى اليوم بئر المعظمة ، وهي بئر كبيرة في غاية السعة ، وأوّل ما أعرف من إضافتها إلى الجامع الأقمر ، أنّ العماد الدمياطيّ ركب على فوهتها هذه المحال التي بها الآن ، وهي من جيد المحال ، وكان تركيبها بعد السبعمائة في أيام قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة الشافعيّ ، وبهذا الجامع درس من قديم الزمان ، ولم تزل مئذنته التي جدّدها السالميّ والبركة إلى سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فولي نظر الجامع بعض الفقهاء ، فرأى هدم المئذنة من أجل ميل حدث بها ، فهدمها وأبطل الماء من البركة لإفساد الماء بمروره جدار الجامع القبليّ ، والخطبة قائمة به إلى الآن.
الآمر بأحكام الله : أبو عليّ المنصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ بن الظاهر لاعزاز دين الله أبي الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور ، ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة تسعين وأربعمائة ، وبويع له بالخلافة يوم مات أبوه وهو طفل له من العمر خمس سنين وأشهر وأيام ، في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين ، أحضره الأفضل بن أمير الجيوش وبايع له ونصبه مكان أبيه ، ونعته بالآمر بأحكام الله ، وركب الأفضل فرسا وجعل في السرج شيئا وأركبه عليه لينمو شخص الآمر ، وصار ظهره في حجر الأفضل ، فلم يزل تحت حجره حتى قتل الأفضل ليلة عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمسمائة ، فاستوزر بعده القائد أبا عبد الله محمد بن فاتك البطائحيّ ، ولقّبه بالمأمون ، فقام بأمر دولته إلى أن قبض عليه في ليلة السبت رابع شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة ، فتفرّغ الآمر لنفسه ولم يبق له ضدّ ولا مزاحم ، وبقي بغير وزير ، وأقام صاحبي ديوان أحدهما جعفر بن عبد المنعم ، والآخر سامريّ يقال له أبو يعقوب إبراهيم ، ومعهما مستوف يعرف بابن أبي نجاح كان راهبا ، ثم تحكم هذا الراهب في الناس وتمكن من الدواوين ، فابتدأ في مطالبة النصارى ، وحقق في جهاتهم الأموال وحملها أوّلا فأوّلا ، ثم أخذ في مصادرة بقية المباشرين والمعاملين والضمناء والعمال ، وزاد إلى أن عمّ ضرره جميع الرؤساء والقضاة والكتاب والسوقة ، بحيث لم يخل أحد من ضرره. فلما تفاقم أمره قبض عليه الآمر وضرب بالنعال حتى مات بالشرطة ، فجر إلى كرسيّ الجسر وسمّر على لوح وطرح في النيل ، وحذف حتى خرج إلى البحر الملح. فلما كان يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وثب جماعة على الآمر وقتلوه ، كما ذكر عند خبر الهودج ، وكان كريما سمحا إلى الغاية ، كثير النزهة محبا للمال والزينة ، وكانت أيامه كلها لهوا وعيشة راضية لكثرة عطائه وعطاء حواشيه ، بحيث لم يوجد بمصر