أميراخور على عادته ، وبهاء الدين عليّ بن حنا وزيرا ، والأمير ركن الدين التاجي الركنيّ والأمير سيف الدين بكجريّ حجابا ، ورسم بإحضار البحرية الذين تفرّقوا في البلاد بطالين ، وسير الكتب إلى الأقطار بما تجدّد له من النعم ، ودعاهم إلى الطاعة ، فأذعنوا له وانقادوا إليه.
وكان الأمير علم الدين سنجر الحلبيّ نائب دمشق لما قتل قطز جمع الناس وحلّفهم ، وتلقب بالملك المجاهد ، وثار علاء الدين الملقب بالملك السعيد بن صاحب الموصل في حلب وظلم أهلها ، وأخذ منهم خمسين ألف دينار ، فقام عليه جماعة ومقدّمهم الأمير حسام الدين لاجين العزيزيّ وقبضوا عليه ، فسير الظاهر إلى لاجين بنيابة حلب.
فلما دخلت سنة تسع وخمسين قبض الظاهر على جماعة من الأمراء المعزية ، منهم الأمير سنجر الغتميّ ، والأمير بهادر المعزيّ ، والشجاع بكتوت ، ووصل إلى السلطان الإمام أبو العباس أحمد بن الخليفة الظاهر العباسيّ من بغداد ، في تاسع رجب ، فتلقاه السلطان في عساكره وبالغ في إكرامه وأنزله بالقلعة ، وحضر سائر الأمراء والمقدّمين والقضاة وأهل العلم والمشايخ بقاعة الأعمدة من القلعة بين يدي أبي العباس ، فتأدّب السلطان الظاهر ولم يجلس على مرتبة ولا فوق كرسيّ ، وحضر العربان الذين قدموا من العراق ، وخادم من طواشية بغداد ، وشهدوا بأن العباس أحمد ولد الخليفة الظاهر بن الخليفة الناصر ، وشهد معهم بالاستفاضة الأمير جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر ، وعلم الدين بن رشيق ، وصدر الدين موهوب الجزريّ ، ونجيب الدين الحرّانيّ ، وسديد الزمنتيّ نائب الحكم بالقاهرة عند قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعيّ ، وأسجل على نفسه بثبوت نسب أبي العباس أحمد ، وهو قائم على قدميه ، ولقّب بالإمام المستنصر بالله ، وبايعه الظاهر على كتاب الله وسنة نبيه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، وأخذ أموال الله بحقها وصرفهاف ي مستحقها ، فلما تمت البيعة قلد المستنصر بالله السلطان الملك الظاهر أمر البلاد الإسلامية ، وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار ، وبايع الناس المستنصر على طبقاتهم ، وكتب إلى الأطراف بأخذ البيعة له ، وإقامة الخطبة باسمه على المنابر ، ونقشت السكة في ديار مصر باسمه ، واسم الملك الظاهر معا. فلما كان يوم الجمعة سابع عشر رجب ، خطب الخليفة بالناس في جامع القلعة ، وركب السلطان في يوم الاثنين رابع شعبان إلى خيمة ضربت له بالبستان الكبير ظاهر القاهرة ، وأفيضت عليه الخلع الخليفة ، وهي جبة سوداء وعمامة بنفسجية وطوق من ذهب ، وقلد بسيف عربيّ ، وجلس مجلسا عاما حضره الخليفة والوزير وسائر القضاة والأمراء والشهود ، وصعد القاضي فخر الدين بن لقمان كاتب السرّ منبرا نصب له ، وقرأ تقليد السلطان المملكة ، وهو بخطه من إنشائه ، ثم ركب السلطان بالخلعة والطوق ودخل من باب النصر ، وشق القاهرة وقد زينت له ، وحمل الصاحب بهاء الدين بن حنا التقليد على رأسه قدّام السلطان ، والأمراء