الصلاة ، فإن أريد ظاهر الهيئات فهي معطوفة بالواو ، والواو لا ترتب ، فلا يسأل لم قدم السجود على الركوع إلّا من جهة علم البيان.
والجواب : أن السجود لما كانت الهيئة التي هي أقرب ما يكون العبد فيها إلى الله قدم ، وإن كان متأخرا في الفعل على الركوع ، فيكون إذ ذاك التقديم بالشرف. وقيل : كان السجود مقدّما على الركوع في شرع زكريا وغيره منهم ، ذكره أبو موسى الدمشقي. وقيل : في كل الملل إلّا ملة الإسلام ، فجاء التقديم من حيث الوقوع في ذلك الشرع ، فيكون إذ ذاك التقديم زمانيا من حيث الوقوع ، وهذا التقديم أحد الأنواع الخمسة التي ذكرها البيانيون ، وكذلك التقديم الذي قبله ، وتوارد الزمخشري ، وابن عطية على أنه لا يراد ظاهر الهيئات.
فقال الزمخشري : أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة وأركانها ، ثم قيل لها (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) المعنى : ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة ، أي وانظمي نفسك في جملة المصلين ، وكوني معهم وفي عدادهم ، ولا تكوني في عداد غيرهم.
وقال ابن عطية : القول عندي في ذلك أن مريم أمرت بفعلين ومعلمين من معالم الصلاة ، وهما : طول القيام والسجود ، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة. وهذان يختصان بصلاتها منفردة ، وإلّا فمن يصلي وراء إمام لا يقال له : أطل قيامك ، ثم أمرت بعد بالصلاة في الجماعة ، فقيل لها : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) وقصد هنا معلم آخر من معالم الصلاة لئلا يتكرر لفظ. ولم يرد بالآية السجود والركوع الذي هو منتظم في ركعة واحدة. انتهى كلامه. ولا ضرورة بنا تخرج اللفظ عن ظاهره.
وقد ذكرنا مناسبة لتقديم السجود على الركوع ، وقد استشكل ابن عطية هذا ، فقال : وهذه الآية أشد إشكالا من قولنا : قام زيد وعمرو ، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة ، وقد علم أن السجود بعد الركوع ، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك في هذه الآية؟ انتهى. وهذا كلام من لم يمعن النظر في كتاب سيبويه ، فإن سيبويه ذكر أن الواو يكون معها في العطف المعية ، وتقديم السابق وتقديم اللاحق يحتمل ذلك احتمالات سواء ، فلا يترجح أحد الاحتمالات على الآخر ، ولا التفات لقول بعض أصحابنا المتأخرين في ترجيح المعية على تقديم السابق وعلى تقديم اللاحق ، ولا في ترجيح تقديم السابق على تقديم اللاحق.