كنت. انتهى. ولا يناسب ذلك مذهبه في كان الناقصة. لأنه يزعم أنها سلبت الدلالة على الحدث ، وتجردت للزمان وما سبيله هكذا ، فكيف يعمل في ظرف؟ لأن الظرف وعاء للحدث ولا حدث فلا يعمل فيه ، والمضارع بعد : إذ ، في معنى الماضي ، أي : إذ ألقوا أقلامهم للاستهام على مريم ، والظاهر أنها الأقلام التي للكتابة. وقيل : كانوا يكتبون بها التوراة ، فاختاروها للقرعة تبركا بها. وقيل : الأقلام هنا الأزلام ، وهي : القداح ، ومعنى الإلقاء هنا الرمي والطرح ، ولم يذكر في الآية ما الذي ألقوها فيه ، ولا كيفية حال الإلقاء ، كيف خرج قلم زكريا. وقد ذكرنا فيما سبق شيئا من ذلك عن المفسرين ، والله أعلم بالصحيح منها. وقال أبو مسلم : كانت الأمم يكتبون أسماءهم على سهام عند المنازعة ، فمن خرج له السهم سلم له الأمر ، وهو شبيه بأمر القداح التي يتقاسم بها الجزور.
وارتفع (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) على الابتداء والخبر ، وهو في موضع نصب إما على الحكاية بقول محذوف ، أي : يقولون أيهم يكفل مريم ، وإما بعلة محذوفة أي : ليعلموا أيّهم يكفل ، وإما بحال محذوفة أي : ينظرون أيّهم يكفل ، ودل على المحذوف : (يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) وقد استدل بهذه الآية على إثبات القرعة وهي مسألة فقهية تذكر في علم الفقه.
(وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أي : بسبب مريم ، ويحتمل أن يكون هذا الاختصام هو الاقتراع ، وأن يكون اختصاما آخر بعده ، والمقصود شدّة رغبتهم في التكفل بشأنها. والعامل في : إذ ، العامل في : لديهم ، أو ، كنت ، على قول أبي علي في : إذ يلقون.
وتضمنت هذه الآية من ضروب الفصاحة : التكرار في : اصطفاك ، وفي : يا مريم ، وفي : ما كنت لديهم. قيل : والتقديم والتأخير في : واسجدي واركعي ، على بعض الأقوال. والاستعارة ، فيمن جعل القنوت والسجود والركوع ليس كناية عن الهيئات التي في الصلاة ، والإشارة بذلك من أنباء الغيب ، والعموم المراد به الخصوص في نساء العالمين على أحد التفسيرين ، والتشبيه في أقلامهم ، إذا قلنا إنه أراد القداح. والحذف في عدة مواضع.
(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) العامل في : إذ ، اذكر أو : يختصمون ، أو إذ ، بدل من إذ ، في قوله : إذ يختصمون ، أو من : وإذ قالت الملائكة ، أقوال يلزم في القولين المتوسطين اتحاد زمان الاختصام وزمان قول الملائكة ، وهو بعيد ، وهو