شاهدها ، أو : من قرأها في الكتب السابقة ، أو : من أوحى الله إليه بها. وقد انتفى العيان والقراءة ، فتعين الثالث وهو الوحي من الله تعالى.
والكاف في : ذلك ، و : إليك ، خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والأحسن في الإعراب أن يكون : ذلك ، مبتدأ و : من أنباء الغيب ، خبره. وأن يكون : نوحيه ، جملة مستأنفة ، ويكون الضمير في : نوحيه ، عائدا على الغيب ، أي : شأننا أننا نوحي إليك الغيب ونعلمك به ، ولذلك أتى بالمضارع ، ويكون أكثر فائدة من عوده على : ذلك ، إذ يشتمل ما تقدّم من القصص وغيرها التي يوحيها إليه في المستقبل ، إذ يصير نظير : زيد يطعم المساكين ، فيكون إخبارا بالحالة الدائمة. والمستعمل في هذا المعنى إنما هو المضارع ، وإذ يلزم من عوده على : ذلك ، أن يكون : نوحيه ، بمعنى : أوحيناه إليك ، لأن الوحي به قد وقع وانفصل ، فيكون أبعد في المجاز منه إذا كان شاملا لهذه القصص وغيرها مما سيأتي ، وجوّزوا أن يكون : نوحيه ، خبرا : لذلك ، و : من أنباء ، حال من : الهاء ، في : نوحيه ، أو متعلقا : بنوحيه.
(وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) هذا تقرير وتثبيت أن ما علمه من ذلك إنما هو بوحي من الله تعالى ، والمعلم به قصتان : قصة مريم ، وقصة زكريا. فنبه على قصة مريم إذ هي المقصودة بالإخبار أولا ، وإنما جاءت قصة زكريا على سبيل الاستطراد ، ولاندراج بعض قصة زكريا في ذكر من يكفل ، فما خلت من تنبيه على قصة.
ومعنى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي : ما كنت معهم بحضرتهم إذ يلقون أقلامهم. ونفي المشاهدة ، وإن كانت منتفية بالعلم ولم تنتف القراءة والتلقي ، من حفاظ الأنباء على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي ، وقد علموا أنه ليس ممن يقرأ ، ولا ممن ينقل عن الحفاظ للأخبار ، فتعين أن يكون علمه بذلك بوحي من الله تعالى إليه ، ونظيره في قصة موسى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) (١) (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) (٢) وفي قصة يوسف (ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) (٣).
والضمير ، في : لديهم ، عائد على غير مذكور ، بل على ما دل عليه المعنى ، أي : وما كنت لدى المتنازعين ، كقوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٤) أي : بالمكان.
والعامل في : إذ ، العامل في : لديهم. وقال أبو علي الفارسي : العامل في : إذ ،
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٤.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٤٦.
(٣) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٢.
(٤) سورة العاديات : ١٠٠ / ٤.