التقدير : هيئة كهيئة الطير ، أو : على الكاف على المعنى ، إذ هي بمعنى : مماثلة هيئة الطير ، فيكون التأنيث هنا كما هو في المائدة في قوله : (فَتَنْفُخُ فِيها) (١) ويكون في هذه القراءة قد حذف حرف الجرّ. كما قال :
ما شق جيب ولا قامتك نائحة |
|
ولا بكتك جياد عند إسلاب |
يريد : ولا قامت عليك ، وهي قراءة شاذة نقلها الفراء. وقال النابغة :
كالهبرقيّ تنحّى ينفخ الفحما
فعدى : نفخ ، لمنصوب ، فيمكن أن يكون على إسقاط حرف الجر ، ويمكن أن يكون على التضمين ، أي : يضرم بالنفخ الفحم ، فيكون هنا ناقصة على بابها ، أو بمعنى : تصير.
وقرأ نافع ويعقوب هنا وفي المائدة : طائرا ، وقرأ الباقون : طيرا ، وانتصابه على أنه خبر : يكون ، ومن جعل : يكون ، هنا تامّة ، و : طائرا ، حالا فقد أبعد. وتعلق بإذن الله ، قيل : بيكون. وقيل : بطائر ، ومعنى : بإذن الله ، أي بتمكينه وعلمه بأني أفعل ، وتعاطي عيسى التصوير بيده والنفخ في تلك الصورة تبيين لتلبسه بالمعجزة ، وتوضيح أنها من قبله ، وأما خلق الحياة في تلك الصورة الطينية فمن الله وحده.
وظاهر الآية يدل على أن خلقه لذلك لم يكن باقتراح منهم ، بل هذه الخوارق جاءت تفسيرا لقوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وقيل : كان ذلك باقتراح منهم ، طلبوا منه أن يخلق لهم خفاشا على سبيل التعنت جريا على عاداتهم مع أنبيائهم ، وخصوا الخفاش لأنه عجيب الخلق ، وهو أكمل الطير خلقا ، له : ثدي ، وأسنان ، وآذان ، وضرع ، يخرج منه اللبن ، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل ، إنما يرى في ساعتين : بعد غروب الشمس ساعة ، وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا ، ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويطير بغير ريش ، وتحيض أنثاه وتلد.
روي عن أبي سعيد الخدري : أنه قال لهم : ماذا تريدون؟ قالوا : الخفاش. فسألوه أشد الطير خلقا لأنه يطير بغير ريش ، ويقال : ما صنع غير الخفاش ، ويقال : فعل ذلك أولا وهو مع معلمه في الكتاب ، وتواطأ النقل عن المفسرين أن الطائر الذي خلقه عيسى كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل المخلوق من
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١١.