حتى ، أي : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند الله ، لأنكم تعلمون صحة دين الإسلام ، وأنه يلزمكم اتباع هذا النبي ، ولا يكون : أو يحاجوكم ، معطوفا على : يؤتى ، وداخلا في خبر إن ، و : أحد ، في هذين القولين ليس الذي يأتي في العموم مختصا به ، لأن ذلك شرطه أن يكون في نفي ، أو في خبر نفي ، بل : أحد ، هنا بمعنى : واحد ، وهو مفرد ، إذ عنى به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإنما جمع الضمير في : يحاجوكم ، لأنه عائد على الرسول وأتباعه ، لأن الرسالة تدل على الأتباع. وقال بعض النحويين : إن ، هنا للنفي بمعنى : لا ، التقدير : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ونقل ذلك أيضا عن الفراء ، وتكون : أو ، بمعنى إلّا ، والمعنى إذ ذاك : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا أن يحاجوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم ومحاجتكم عند ربكم ، لأن من آتاه الله الوحي لا بد أن يحاجهم عند ربهم في كونهم لا يتبعونه ، فقوله : أو يحاجوكم ، حال من جهة المعنى لازمة ، إذ لا يوحي الله إلى رسول إلّا وهو محاج مخالفيه. وفي هذا القول يكون ، أحد ، هو الذي للعموم. لتقدّم النفي عليه ، وجمع الضمير في : يحاجوكم ، حملا على معنى : أحد ، كقوله تعالى (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (١) جمع حاجزين حملا على معنى : أحد ، لا على لفظه ، إذ لو حمل على لفظه لأفرد.
لكن في هذا القول القول بأن : أن ، المفتوحة تأتي للنفي بمعنى لا ، ولم يقم على ذلك دليل من كلام العرب. والخطاب في : أوتيتم ، وفي : يحاجوكم ، على هذه الأقوال الثلاثة للطائفة السابقة ، القائلة : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ) وأجاز بعض النحويين أن يكون المعنى : أن لا يؤتى أحد ، وحذفت : لا ، لأن في الكلام دليلا على الحذف. قال كقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (٢) أي : أن لا تضلوا. وردّ ذلك أبو العباس ، وقال : لا تحذف : لا ، وإنما المعنى : كراهة أن تضلوا ، وكذلك هنا : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : ممن خالف دين الإسلام ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
والخطاب في : أوتيتم ، و : يحاجوكم ، لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فعلى هذا : أن يؤتى مفعول من أجله على حذف كراهة ، ويحتاج إلى تقدير عامل فيه ، ويصعب تقديره ، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور.
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٤٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٧٦.