وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله : أن يؤتى ، بدلا من قوله : هدى الله ، ويكون المعنى : قل إن الهدى هدى الله وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن. ويكون قوله : أو يحاجوكم ، بمعنى ، أو فليحاجوكم ، فإنهم يغلبونكم. انتهى هذا القول. وفيه الجزم بلام الأمر وهي محذوفة ولا يجوز ذلك على مذهب البصريين إلّا في الضرورة.
وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب : أن يؤتى ، بفعل مضمر يدل عليه قوله (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) كأنه قيل : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا. انتهى كلامه. وهو بعيد ، لأن فيه حذف حرف النهي ومعموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم. وأجازوا أن يكون قوله (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ليس داخلا تحت قوله : قل ، بل هو من تمام قول الطائفة ، متصل بقوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ويكون قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) جملة اعتراضية بين ما قبلها وما بعدها.
ويحتمل هذا القول وجوها :
أحدها : أن يكون المعنى : ولا تصدّقوا تصديقا صحيحا وتؤمنوا إلّا لمن جاء بمثل دينكم ، مخافة أن يؤتى أحد من النبوّة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم يستمروا عليه ، وهذا القول ، على هذا المعنى ، ثمرة الحسد والكفر مع المعرفة بصحة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : أن يكون التقدير : أن لا يؤتى ، فحذفت : لا ، لدلالة الكلام ، ويكون ذلك منتفيا داخلا في حيز : إلّا ، لا مقدرا دخوله قبلها ، والمعنى : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلّا لمن تبع دينكم ، بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، وانتفاء أن يحاجوكم عند ربكم أي : إلّا بانتفاء كذا.
الثالث : أن يكون التقدير : بأن يؤتى ، ويكون متعلقا بتؤمنوا ، ولا يكون داخلا في حيز إلّا ، والمعنى : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم ، وجاء بمثله ، وعاضدا له ، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم. ويكون معنى : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) بمعنى : إلّا أن يحاجوكم ، كما تقول : أنا لا أتركك أو تقضيني حقي ، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، على اعتقاد أن النبوّة لا تكون إلّا في بني إسرائيل.