الرابع : أن يكون المعنى : لا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوّته إذ قد علمتم صحتها إلّا لليهود الذين هم منكم ، و (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) صفة لحال محمد صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى : تستروا بإقراركم أن قد أوتي أحد مثل أوتيتم ، أو فإنهم يعنون العرب ، يحاجونكم بالإقرار عند ربكم ، وقال الزمخشري في هذا الوجه ، وبدأ به ما نصه : ولا تؤمنوا ، متعلق بقوله : أن يؤتى أحد ، و : ما بينهما اعتراض ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لأهل دينكم دون غيرهم ، أرادوا : أسرّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأشياعكم وحدهم دون المسلمين ، لئلا يزيدوا ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) عطف على (أَنْ يُؤْتى) والضمير في : يحاجوكم ، لأحد لأنه في معنى الجميع بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ، ويغالبونكم عند الله بالحجة. انتهى كلامه.
وأما : أحد ، على هذه الأقوال فإن كان الذي للعموم ، وكان ما قبله مقدرا بالنفي ، كقول بعضهم أن المعنى : لا يؤتى ، أو : أن المعنى : أن لا يؤتى أحد ، فهو جار على المألوف في لسان العرب من أنه لا يأتي إلّا في النفي أو ما أشبه النفي : كالنهي ، وإن كان الفعل مثبتا يدخل هنا لأنه تقدم النفي في أول الكلام ، كما دخلت من في قوله : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) (١) للنفي قبله في قوله : (ما يَوَدُّ) (٢).
ومعنى الاعتراض على هذه الأوجه أنه أخبر تعالى بأن ما راموا من الكيد والخداع بقولهم : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ) الآية ، لا يجدي شيئا ، ولا يصدّ عن الإيمان من أراد الله إيمانه ، لأن الهدى هو هدى الله ، فليس لأحد أن يحصله لأحد ، ولا أن ينفيه عن أحد.
وقرأ ابن كثير : أن يؤتى أحد؟ بالمدّ على الاستفهام ، وخرجه أبو عليّ على أنه من قول الطائفة ، ولا يمكن أن يحمل على ما قبله من الفعل ، لأن الاستفهام قاطع ، فيكون في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف تقديره تصدّقون به ، أو تعترفون ، أو تذكرونه لغيركم ، ونحوه مما يدل عليه الكلام. و : يحاجوكم ، معطوف على : أن يؤتى.
قال أبو علي : ويجوز أن يكون موضع : أن ، نصبا ، فيكون المعنى : أتشيعون ، أو : أتذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ ويكون بمعنى : أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم؟ فعلى
__________________
(٢ ـ ١) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.