من فعله ، لأنها لو كانت من فعله كانت من عنده. وقد نفى الله تعالى نفيا عامّا لكون المعاصي من عنده. انتهى. وهذا مذهب المعتزلة ، وكان الرازي يجنح إلى مذهبهم.
وقال ابن عطية (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) نفى أن يكون منزلا كما ادّعوا ، وهو من عند الله بالخلق والاختراع والإيجاد ، ومنهم بالتكسب. ولم تعن الآية إلّا معنى التنزيل ، فبطل تعلق القدرية بظاهر قوله : (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) تقدّم تفسير مثل هذا آنفا.
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) روي أن أبا رافع القرظي قال للنبي صلىاللهعليهوسلم ، حين اجتمعت الأحبار من يهود ، والوفد من نصارى نجران : يا محمد! إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلها كما عبدت النصارى عيسى؟ فقال الرئيس من نصارى نجران : أو ذاك تريد يا محمد وإليه تدعونا؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «معاذ الله ما بذلك أمرت ولا إليه دعوت» ، فنزلت.
وقيل : قال رجل : يا رسول الله! نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله».
واختلف المفسرون إلى من هي الإشارة بقوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ) فقال ابن عباس ، والربيع ، وابن جريج ، وجماعة : الإشارة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذكروا سبب النزول المذكور.
وقال النقاش ، وغيره : الإشارة إلى عيسى ، والآية رادّة على النصارى الذين قالوا : عيسى إله ، وادعوا أن عبادته هي شرعة مستندة إلى أوامره ، ومعنى (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ) وما جاء نحوه أنه ينفي عنه الكون ، والمراد نفي الخبر ، وذلك على قسمين.
أحدهما : أن يكون الانتفاء من حيث العقل ، ويعبر عنه بالنفي التام ، ومثاله قوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (١) (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٢).
والثاني : أن يكون الانتفاء فيه على سبيل الانتفاء ، ويعبر عنه بالنفي غير التام ، ومثاله قول أبي بكر الصديق ، رضياللهعنه : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدّم أن يصلي بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٦٠.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٥.