منهما فيما ترك ما يحبه الإنسان وما يؤثره على سبيل التقرب به لله تعالى. وكلّ : من صيغ العموم. والطعام : أصله مصدر أقيم مقام المفعول ، وهو اسم لكل ما يطعم ويؤكل. وزعم بعض أصحاب أبي حنيفة أنه اسم للبر خاصة. قال الرازي : والآية تبطله لأنه استثنى منه ما حرم إسرائيل على نفسه. واتّفقوا على أنه شيء سوى الحنطة ، وسوى ما يتخذ منها. ومما يؤكد ذلك قوله في الماء ومن لم يطعمه. وقال : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (١) وأراد الذبائح انتهى.
ويجاب عن الاستثناء أنه منقطع ، فلا يندرج تحت الطعام. وقال القفال : لم يبلغنا أنّ الميتة والخنزير كانا مباحين لهم مع انّهما طعام ، فيحتمل أن يكون ذلك على الأطعمة التي كانت اليهود في وقت الرسول صلىاللهعليهوسلم تدّعي أنها كانت محرمة على إبراهيم ، فيزول الإشكال يعني إشكال العموم. والحل : الحلال ، وهو مصدر حلّ نحو عزّ عزا ومنه (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (٢) أي حلال به. وفي الحديث عن عائشة : «كنت أطيّب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحلّه ولحرمه» ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. قال : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ) (٣) وهي كالحرم ، أي الحرام. واللّبس ، أي اللباس. وإسرائيل : هو يعقوب ، وتقدم الكلام عليه ، وتقدّم أنّ الذي حرمه إسرائيل هو لحوم الإبل وألبانها ؛ ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول : الحسن ، وعطاء ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعبد الله بن كثير في آخرين. وقيل : العروق. رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس. وهو قول : مجاهد أيضا ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وأبي مجلز في آخرين.
قال ابن عباس : عرضت له الأنساء فأضنته ، فجعل لله إن شفاه من ذلك أن لا يطعم عرقا. قال : فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم ، وليس في تحريم العروق قربة فيما يظهر. وروي عن ابن عباس أنّه حرم العروق ولحوم الإبل. وقيل : زيادتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما على الظهر قاله : عكرمة. وتقدّم سبب تحريمه لما حرمه.
قال ابن عطية : ولم يختلف فيما علمت أنّ سبب التحريم هو بمرض أصابه ، فجعل تحريم ذلك شكرا لله تعالى إن شفي. وقيل : هو وجع عرق النسا. وهذا الاستثناء يحتمل
__________________
(١) سورة آل عمران ٥ / ٥.
(٢) سورة البلد : ٩٠ / ٢.
(٣) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٠.