الاتصال والانقطاع ، فإن كان متصلا كان التقدير : إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه فحرم عليهم في التوراة ، فليست فيها الزوائد التي افتروها وادعوا تحريمها. وإن كان منقطعا كان التقدير : لكنّ إسرائيل حرم ذلك على نفسه خاصة ، ولم يحرمه الله على بني إسرائيل. والاتصال أظهر. وظاهر قوله : على نفسه ، أن ذلك باجتهاد منه لا بتحريم من الله تعالى. واستدل بذلك على أن للأنبياء أن يحرموا بالاجتهاد. وقيل : كان تحريمه بإذن الله تعالى. وقيل : يحتمل أن يكون التحريم في شرعه كالنذر في شرعنا. وقال الأصم : لعل نفسه كانت مائلة إلى تلك الأنواع فامتنع من أكلها قهرا للنفس وطلبا لمرضاة الله كما يفعله كثير من الزهاد ، فعبر عن ذلك الامتناع بالتحريم.
واختلفوا في سبب التحريم للطعام الذي حرمه إسرائيل على بنيه ومن بعدهم من اليهود ، وهذا إذا قلنا : بأنّ الاستثناء متصل. أمّا إذا كان منقطعا فلم يحرّم عليهم. وقال عطية : حرمها عليهم بتحريم إسرائيل ، ولم يكن محرما في التوراة ، وروي عن ابن عباس أن يعقوب قال : «إن عافاني الله لا يأكله لي ولد. وقال الضحاك : وافقوا أباهم في تحريمه ، لا أنه حرم عليهم بالشرع ، ثم أضافوا تحريمه إلى الشرع فأكذبهم الله تعالى. وقال ابن السائب : حرمه الله عليهم بعد التوراة لا فيها ، وكانوا إذا أصابوا ذنبا عظيما حرّم به عليهم طعام طيب ، أو صبّ عليهم عذاب ، ويؤكده «فبظلم» (١) الآية.
وقيل : لم يحرم عليهم قبل نزول التوراة ولا بعدها ، ولا بتحريم إسرائيل عليهم ، ولا لموافقته بل قالوا ذلك تحرضا وافتراء. وقال السدي : لما أنزل الله التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمون على أنفسهم قيل نزولها.
قال الزمخشري : والمعنى أنّ المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة ، وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه ، فتبعوه على تحريمه وهو ردّ على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم بما نعى عليهم في قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) (٢) الآية. وجحود ما غاظهم واشمأزوا منه وامتعضوا. فما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم فقالوا : لسنا بأول من حرمت عليه ، وما
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.