التقدير من استطاع إليه سبيلا منهم فعليه الحج ، أو فعليه ذلك. والوجه الأوّل أولى لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا. ويناسب الشرط مجيء الشرط بعده في قوله : (وَمَنْ كَفَرَ) وقيل : من موصولة في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم من استطاع إليه سبيلا. وقال بعض البصريين : من موصولة في موضع رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج ، فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل نحو : عجبت من شرب العسل زيد ، وهذا القول ضعيف من حيث اللفظ والمعنى. أمّا من حيث اللفظ فإنّ إضافة المصدر للمفعول ورفع الفاعل به قليل في الكلام ، ولا يكاد يحفظ في كلام العرب إلا في الشعر ، حتى زعم بعضهم أنه لا يجوز إلا في الشعر. وأمّا من حيث المعنى فإنه لا يصح ، لأنّه يكون المعنى : إنّ الله أوجب على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع. ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع لا الناس على العموم ، والضمير في إليه يعود على البيت ، وقيل : على الحج. وإليه متعلق باستطاع ، وسبيلا مفعول بقوله استطاع لأنه فعل متعد. قال تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) (١) وكل موصل إلى شيء ، فهو سبيل إليه.
وظاهر الآية يدل على وجوب الحج على من استطاع إلى البيت سبيلا ، وليست الاستطاعة من باب المجملات كما قدّمنا. وقال عمر ، وابنه ، وابن عباس ، وعطاء ، وابن جبير : هي حال الذي يجد زادا وراحلة ، وعلى هذا أكثر العلماء. وقال ابن الزبير والضحاك : إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه وجب عليه. قال الضحاك : إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع ، وقيل له في ذلك ؛ فقال : إن كان لبعضهم ميراث بمكة ، أكان يتركه ، بل كان ينطلق إليه؟ ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج. وقال الحسن : من وجد شيئا يبلغه فقد وجب عليه. وقال عكرمة : استطاعة السبيل الصحة. ومذهب مالك : أنّ الرجل إذا وثق بقوته لزمه ، وعنه ذلك على قدر الطاقة. وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر ، وقد يقدر عليه من لا راحلة له ولا زاد. وقال ابن عباس : من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه. وقال الشافعي : الاستطاعة على وجهين بنفسه : أولا : فمن منعه مرض أو عذر وله مال فعليه أن يجعل من يحج عنه وهو مستطيع لذلك. واختلف قول مالك فيمن سأل ذاهبا وآئبا ممن ليست عادته ذلك في إقامته. فروى عنه ابن وهب : لا بأس بذلك.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٩٧.