«من ترك الصلاة فقد كفر» «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». على أحد التأويلين. وقال الزمخشري : ومنها يعني من أنواع التأكيد والتشديد قوله : ومن كفر ، مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» ونحوه من التغليظ من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ، انتهى كلامه ، وهو من معنى كلام السدي. وقال سعيد بن المسيب : ومن كفر بكون البيت قبله الحق ، فعلى هذا يكون راجعا إلى اليهود الذين قالوا حين حوّلت القبلة : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) (١) وكفروا بها وقالوا : لا نحج إليها أبدا.
ومن شرطية وجواب الشرط الجملة المصدرة بالفاء ، والرابط لها بجملة الشرط هو العموم الذي في قوله : (عَنِ الْعالَمِينَ) إذ من كفر فهو مندرج تحت هذا العموم. وفي هذا اللفظ وعيد شديد لمن كفر قال ابن عطية : والقصد بالكلام : فإن الله غني عنهم ، ولكن عمّ اللفظ ليبرع المعنى ويتنبه الفكر على قدرة الله وسلطانه واستغنائه عن جميع الوجوه ، حتى ليس به افتقار إلى شيء ، لا ربّ سواه انتهى. وقال الزمخشري : ومنها يعني من أنواع التأكيد ذكر الاستغناء عنه ، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان. ومنها قوله : عن العالمين ، ولم يقل عنه. وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان ، لأنّه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء عنه لا محالة. ولأنّه يدلّ على الاستغناء الكامل ، فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه. وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فإن الله غني عن حج العالمين.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) : قال الطبري : سبب نزولها ونزول ما بعدها إلى قوله : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢) ان رجلا من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج واسمه : شاس بن قيس ، وكان أعمى شديد الضغن والحسد للمسلمين ، فرأى ائتلاف الأوس والخزرج ، فقال : ما لنا من قرار بهذه البلاد مع اجتماع ملأ بني قيلة ، فأمر شابا من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث وما جرى فيه من الحرب وما قالوه من الشعر ، ففعل ، فتكلموا حتى ثاروا إلى السلاح بالحرة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»؟ ووعظهم فرجعوا وعانق بعضهم بعضا ، هذا ملخصه وذكروه مطولا. وقال الحسن : وقتادة ، والسدي : نزلت في أحبار اليهود
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٢.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٥.