التأويل كونهم (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١) وقوله : «نحن الآخرون السابقون» الحديث وقوله : «نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها».
وظاهر كان هنا أنها الناقصة ، وخير أمة هو الخبر. ولا يراد بها هنا الدلالة على مضي الزمان وانقطاع النسبة نحو قولك : كان زيد قائما ، بل المراد دوام النسبة كقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٢) و (لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣) وكون كان تدل على الدوام ومرادفه لم يزل قولا مرجوحا ، بل الأصح أنها كسائر الأفعال تدل على الانقطاع ، ثم قد تستعمل حيث لا يراد الانقطاع. وقيل : كان هنا بمعنى صار ، أي صرتم خير أمة. وقيل : كان هنا تامة ، وخير أمة حال. وأبعد من ذهب إلى أنّها زائدة ، لأن الزائدة لا تكون أول كلام ، ولا عمل لها. وقال الزمخشري : كان عبارة عن وجود الشيء في من ماض على سبيل الإبهام ، وليس فيه دليل على عدم سابق ، ولا على انقطاع طارئ. ومنه قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً).
ومنه قوله : كنتم خير أمة ، كأنه قيل : وجدتم خير أمة انتهى كلامه. فقوله : أنها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار ، فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت : كان زيد عالما بمعنى صار ، دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم. وقوله : ولا على انقطاع طارئ قد ذكرنا قبل أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع ، ثم قد تستعمل حيث لا يكون انقطاع. وفرق بين الدلالة والاستعمال ، ألا ترى أنك تقول : هذا اللفظ يدل على العموم؟ ثم تستعمل حيث لا يراد العموم ، بل المراد الخصوص. وقوله : كأنه قال وجدتم خير أمة ، هذا يعارض أنها مثل قوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٤) لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة ، وأن خير أمة حال. وقوله : وكان الله غفورا لا شك أنها هنا الناقصة فتعارضا. وقيل : المعنى : كنتم في علم الله. وقيل : في اللوح المحفوظ. وقيل : فيما أخبر به الأمم قديما عنكم. وقيل : هو على الحكاية ، وهو متصل بقوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي فيقال لهم في القيامة : كنتم في الدنيا خير أمة ، وهذا قول بعيد من سياق الكلام. وخير مضاف للنكرة ، وهي أفعل تفضيل فيجب إفرادها وتذكيرها ، وإن كانت جارية على جمع.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٦.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٣٢.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٧.