وقال أبو مسلم : أحرسنا من الشيطان وشر أنفسنا حتى لا نزيغ.
وقال الزمخشري : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا ، أو : لا تمنعنا ألطافك بعد أن لطفت بنا. انتهى.
وهذه مسألة كلامية : هل الله تعالى خالق الشر كما هو خالق الخير؟ أو لا يخلق الشر؟ فالأول : قول أهل السنة. والثاني : قول المعتزلة. وكل يفسر على مذهبه.
وقرأ الصديق ، وأبو قائلة ، والجراح : لا تزغ قلوبنا ، بفتح التاء ورفع الباء وقرأ بعضهم : لا يزغ بالياء مفتوحة ، ورفع باء قلوبنا ، جعله من زاغ ، وأسنده إلى القلوب. وظاهره نهي القلوب عن الزيغ ، وإنما هو من باب : لا أرينك هاهنا.
ولا أعرفن ربربا حورا مدامعه
أي : لا تزغنا فتزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. ظاهره الهداية التي هي مقابلة الضلال. وقيل : بعد إذ هديتنا للعلم بالمحكم ، والتسليم للمتشابه من كتابك ، و : إذ ، أصلها أن تكون ظرفا ، وهنا أضيف إليها : بعد ، فصارت اسما غير ظرف ، وهي كانت قبل أن تخرج عن الظرفية تضاف إلى الجملة ، واستصحب فيها حالها من الإضافة إلى الجملة ، وليست الإضافة إليها تخرجها عن هذا الحكم. ألا ترى إلى قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) (١)؟ (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) (٢) في قراءة من رفع يوم؟ وقول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
على حين من تكتب عليه ذنوبه
على حين الكرام قليل
ألا ليت أيام الصفاء جديد
كيف خرج الظرف هنا عن بابه ، واستعمل خبرا ومجرورا بحرف الجر ، واسم ليت ، وهو مع ذلك مضاف إلى الجملة؟.
(وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) سألوا بلفظ الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان إليهم من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة ، لأن الهبة كذلك تكون ، وخصوها بأنها من عنده ، والرحمة
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١١٩.
(٢) سورة الإنفطار : ٨٢ / ١٩.