(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) قال ابن عباس : وإن تصبروا على أذاهم ، وتتقوا الله ، ولا تقنطوا ، ولا تسأموا أذاهم وإن تكرر. وقال مقاتل : وإن تصبروا على أمر الله ، وتتقوا مباطنتهم. وقال ابن عباس أيضا : وإن تصبروا على الإيمان وتتقوا الشرك. وقيل : وإن تصبروا على الطاعة وتتقوا المعاصي. وقيل : وإن تصبروا على حربهم. والذي يظهر أنه لم يذكر هنا متعلق الصبر ، ولا متعلق التقوى. لكنّ الصبر هو حبس النفس على المكروه ، والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب الله. فيحسن أن يقدّر المحذوف من جنس ما دل عليه لفظ الصبر ولفظ التقوى. وفي هذا تبشير للمؤمنين ، وتثبيت لنفوسهم ، وإرشاد إلى الاستعانة على كيد العدو بالصبر والتقوى.
وقرأ الجمهور : إن تمسسكم بالتاء. وقرأ السلمي بالياء معجمة من أسفل ، لأن تأنيث الحسنة مجازى. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وحمزة في رواية عنه : لا يضركم من ضار يضير. ويقال : ضار يضور ، وكلاهما بمعنى ضرّ. وقرأ الكوفيون وابن عامر : لا يضرّكم بضم الضاد والراء المشدّدة ، من ضرّ يضرّ. واختلف ، أحركة الراء إعراب فهو مرفوع؟ أم حركة اتباع لضمة الضاد وهو مجزوم كقولك : مدّ؟ ونسب هذا إلى سيبويه ، فخرج الإعراب على التقديم. والتقدير : لا يضركم أن تصبروا ، ونسب هذا القول إلى سيبويه. وخرج أيضا على أنّ لا بمعنى ليس ، مع إضمار الفاء. والتقدير : فليس يضركم ، وقاله : الفراء والكسائي. وقرأ عاصم فيما روى أبو زيد عن المفضل عنه : بضم الضاد ، وفتح الراء المشددة. وهي أحسن من قراءة ضم الراء نحو لم يرد زيد ، والفتح هو الكثير المستعمل. وقرأ الضحاك : بضم الضاد ، وكسر الراء المشدّدة على أصل التقاء الساكنين. وقال ابن عطية : فأما الكسر فلا أعرفه قراءة ، وعبارة الزجاج في ذلك متجوز فيها ، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة انتهى. وهي قراءة كما ذكرنا عن الضحاك. وقرأ أبيّ : لا يضرركم بفك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز ، وعليها في الآية إن يمسسكم. ولغة سائر العرب الإدغام في هذا كله.
(إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) من قرأ بالياء فهو وعيد ، والمعنى : محيط جزاؤه. وعبر بالإحاطة عن الاطلاع التام والقدرة والسلطان. ومن قرأ بالتاء وهو : الحسن بن أبي الحسن فعلى الالتفات للكفار ، أو على إضمار قل : لهم يا محمد. أو على أنه خطاب للمؤمنين تضمن توعدهم في اتخاذ بطانة من الكفار.
قالوا : وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة. منها : الوصل والقطع في (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) والتكرار : في أصحاب النار هم. والعدول عن اسم