وقولي : كلما جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدي أو تستريحي |
و (إِذْ هَمَّتْ) : بدل من إذ غدوت. قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى سميع عليم انتهى. وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين ، فتحريره أن يقول : أو عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من باب التنازع. وجوز أن يكون معمولا لتبوىء ، ولغدوت. وهمّ يتعدى بالباء ، فالتقدير : بأن تفشلا والمعنى : أن تفشلا عن القتال.
وأما أحسن قول الشاعر في التحريض على القتال والنهي عن الفشل :
قاتلوا القوم بالخداع ولا |
|
يأخذكم عن قتالهم فشل |
القوم أمثالكم لهم شعر |
|
في الرأس لا ينشرون إن قتلوا |
وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء ، وعن قالون خلاف ذكرناه في عقد اللآلئ في القراءات السبع العوالي من إنشائنا. والظاهر أن هذا الهم كان عند تبوئة الرسول صلىاللهعليهوسلم مقاعد للقتال وانخذال عبد الله بمن انخذل. وقيل : حين أشاروا عليه بالخروج وخالفوا عبد الله بن أبي. وفي قوله : طائفتان إشارة لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه ، إذ لم يعين الطائفتين بأنفسهما ، ولا صرح بمن هما منه من القبائل سترا عليهما.
(وَاللهُ وَلِيُّهُما) معنى الولاية هنا التثبيت والنصر ، فلا ينبغي لهما أن يفشلا. وقيل : جعلها من أوليائه المثابرين على طاعته. وفي البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : فينا نزلت (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) قال : نحن الطائفتان بنو حارثة ، وبنو سلمة. وما تحب أنها لم تنزل لقول الله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) قال ذلك جابر لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأنّ تلك الهمة المصفوح عنها لكونها ليست عزما كانت سببا لنزولها. وقرأ عبد الله : والله وليهم أعاد الضمير على المعنى لا على لفظ التثنية ، كقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (١) و (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (٢) وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل جاءت مستأنفة لثناء الله على هاتين الطائفتين.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) لما ذكر تعالى ما همت به الطائفتان من الفشل ، وأخبر تعالى أنه وليهما ، ومن كان الله وليه فلا يفوض أمره إلا إليه. أمرهم بالتوكل عليه ، وقدم المجرور للاعتناء بمن يتوكل عليه ، أو للاختصاص على مذهب من يرى ذلك. ونبّه
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٩.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ١٩.