عبد الله : للمؤمنين بلام الجر على معنى : ترتب وتهيىء. ويظهر أنّ الأصل تعديته لواحد بنفسه ، وللآخر باللام لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه ، إنما يتعدى بحرف جر.
وقرأ الأشهب : مقاعد القتال على الإضافة ، وانتصاب مقاعد على أنه مفعول ثان لتبوى. ومن قرأ للمؤمنين كان مفعولا لتبوىء ، وعداه باللام كما في قوله : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) (١) وقيل : اللام في لابراهيم زائدة ، واللام في للقتال لام العلة تتعلق بتبوئ. وقيل : في موضع الصفة لمقاعد. وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ويختارون لهم المواضع للحرب ، وعلى الأجناد طاعتهم قاله : الماتريدي. وهو ظاهر.
(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي سميع لأقوالكم ، عليم بنياتكم. وجاءت هاتان الصفتان هنا لأنّ في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة ، وانطواء على نيات مضطربة حبسما تضمنته قصة غزوة أحد.
(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) الطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وهما الجناحان قاله : ابن عباس ، وجابر ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والربيع ، والسدي ، وجمهور المفسرين. وقيل : الطائفتان هما من الأنصار والمهاجرين. روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج في ألف. وقيل : في تسعمائة وخمسين ، والمشركون في ثلاثة آلاف. ووعدهم الفتح إن صبروا ، فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس. وسبب انخذاله أنه أشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة حين شاوره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يشاوره قبلها ، فأشار عليه بالمقام في المدينة فلم يفعل وخرج ، فغضب عبد الله وقال : أطاعهم ، وعصاني. وقال : يا قوم على م نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري. وفي رواية أبو جابر السلمي فقال : أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم. فقال عبد الله : لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، فهم الجبان باتباع عبد الله ، فعصمهم الله ومضوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا ، وهذا الهمّ غير مؤاخذ به ، إذ ليس بعزيمة ، إنما هو ترجيح من غير عزم. ولا شك أن النفس عند ما تلاقي الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر ، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة ، ثم يوطئها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر. ألا ترى إلى قول الشاعر :
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٢٦.