بشركم. وبشرى : فعلى مصدر كرجعى ، وهو مصدر من بشر الثلاثي المجرد ، والهاء في به تعود على ما عادت عليه في جعله على الخلاف المتقدم.
وقال ابن عطية : اللام في ولتطمئن متعلقة تفعل مضمر يدل عليه جعله. ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به ، وتطمئن به قلوبكم انتهى. وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف ولتطمئن على بشرى على الموضع ، لأن من شرط العطف على الموضع ـ عند أصحابنا ـ أن يكون ثم محرز للموضع ، ولا محرز هنا ، لأن عامل الجر مفقود. ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك على مذهبه ، وإن لا فيكون من باب العطف على التوهم كما ذكرناه أولا.
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : قال بعضهم : الواو زائدة في ولتطمئن. وقال أيضا في ذكر الإمداد : مطلوبان ، أحدهما : إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله : ألا بشرى. والثاني : حصول الطمأنينة بالنصر ، فلا تجبنوا ، وهذا هو المقصود الأصلي. ففرق بين هاتين العبارتين تنبيها على حصول التفاوت بين الأمرين ، فعطف الفعل على الاسم. ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل انتهى. وفيه بعض ترتيب وتناقش في قوله : فعطف الفعل على الاسم ، إذ ليس من عطف الفعل على الاسم. وفي قوله : أدخل حرف التعليل ، وليس ذلك لما ذكر.
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) حصر كينونة النصر في جهته ، لا أنّ ذلك يكون من تكثير المقاتلة ، ولا من إمداد الملائكة. وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم ، وتثبيتا لقلوبهم. وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة ، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها من : نصر وخذلان وغير ذلك.
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) الطرف : من قتل ببدر هم سبعون من رؤساء قريش ، أو من قتل بأحد وهم اثنان وعشرون رجلا على الصحيح. وقال السدي : ثمانية عشر ، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ثلاثة أقوال. وكنى عن الجماعة بقوله : طرفا ، لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار ، إذ هم الذين يلون القاتلين ، فهم حاشية منهم. فكان جميع الكفار رفقة ، وهؤلاء المقتولون طرفا منها. قيل : ويحتمل أن يراد بقوله : طرفا دابرا أي آخرا ، وهو راجع لمعنى الطرف ، لأن آخر الشيء طرف منه.