عظيم في عدم قبول الأعمال الصالحة والأدعية ، كما جاء في الحديث : «إن الله تعالى لا يستجيب لمن مطعمه حرام ومشربه حرام إذا دعا» ، «وأن آكل الحرام يقول إذا حج : لبيك وسعديك. فيقول الله له : لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك» فناسب ذكر هذه الآية هنا.
وقيل : ناسب اعتراض هذه الجملة هنا أنه تعالى وعد المؤمنين بالنصر والإمداد مقرونا بالصبر والتقوى ، فبدأ بالأهم منها وهو : ما كانوا يتعاطونه من أكل الأموال بالباطل ، وأمر بالتقوى ، ثم بالطاعة. وقيل : لما قال تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (١) وبيّن أنّ ما فيهما من الموجودات ملك له ، ولا يجوز أن يتصرّف في شيء منها إلا بإذنه على الوجه الذي شرعه. وآكل الربا متصرّف في ماله بغير الوجه الذي أمر ، نبّه تعالى على ذلك ، ونهى عما كانوا في الإسلام مستمرّين عليه من حكم الجاهلية ، وقد تقدم الربا في سورة البقرة.
وانتصب أضعافا ، فانهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها ، كان الطالب يقول : أتقضي أم تربي ، وربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين ، لأنه إذا لم يجد وفاء زاد في الدين ، وزاد في الأصل. وأشار بقوله : مضاعفة ، إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاما بعد عام. والربا محرم جميع أنواعه ، فهذه الحال لا مفهوم لها ، وليست قيدا في النهي ، إذ ما لا يقع أضعافا مضاعفة مساو في التحريم لما كان أضعافا مضاعفة. وقد تقدم الكلام في نسبة الآكل إلى الربا في البقرة.
وقيل : المضاعفة منصرفة إلى الأموال. فإن كان الربا في السن يرفعونها ابنة مخاض بابنة لبون ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباع ، هكذا إلى فوق. وإن كان في النقود فمائة إلى قابل بمائتين ، فإن لم يوفهما فأربعمائة. والأضعاف : جمع ضعف ، وهو من جموع القلة. فلذلك أردفه بالمضاعفة. (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا ، أمر بتقوى الله إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهى الشرع عنه. ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز ، وأمر بها مطلقا لا مقيدا بفعل الربا ، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى ، فلم يأت واتقوا الله في أكل الربا بل أمروا بالتقوى ، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة. (وَاتَّقُوا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٢٩.