على العلة المقتضية للتعذيب بقوله : فإنهم ظالمون ، وأتى بأن الدالة على التأكيد في نسبة الظلم إليهم.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لمّا قدم ليس لك من الأمر شيء ، بيّن أن الأمور إنما هي لمن له الملك ، والملك فجاء بهذه الجملة مؤكدة للجملة السابقة. وتقدم شرح هذه الجملة. وما : إشارة إلى جملة العالم وما هيأته ، فلذلك حسنت ما هنا.
(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لما تقدّم قوله : أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، أتى بهذه الجملة موضحة أن تصرفاته تعالى على وفق مشيئته ، وناسب البداءة بالغفران ، والإرداف بالعذاب ما تقدم من قوله : أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، ولم يشرط في الغفران هنا التوبة. إذ يغفر تعالى لمن يشاء من تائب وغير تائب ، ما عدا ما استثناه تعالى من الشرك. وقال الزمخشري ما نصه عن الحسن رحمهالله : يغفر لمن يشاء بالتوبة ، ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين. ويعذب من يشاء ، ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب. وعن عطاء : يغفر لمن يتوب إليه ، ويعذب من لقيه ظالما وأتباعه قوله : أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، تفسير بين لمن يشاء ، فإنهم المتوب عليهم أو الظالمون. ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامون ويتعامون عن آيات الله تعالى ، فيخبطون خبط عشواء ، ويطيبون أنفسهم بما يفترون. عن ابن عباس من قولهم : يهب الذنب الكبير لمن يشاء ، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير. انتهى كلامه. وهو مذهب المعتزلة. وذلك أن من مات مصرا على كبيرة لا يغفر الله له. وما ذكره عن الحسن لا يصح البتّة. ومذهب أهل السنة ؛ أنّ الله تعالى يغفر لمن يشاء وإن مات مصرّا على كبيرة غير تائب منها.
(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) في هذه الجملة ترجيح لجهة الإحسان والإنعام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) قال ابن عطية : هذا النهي عن أكل الربا اعترض أثناء قصة أحد ، ولا أحفظ شيئا في ذلك مرويا انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ومجيئها بين أثناء القصة : أنّه لما نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من غيرهم ، واستطرد لذكر قصة أحد. وكان الكفار أكثر معاملاتهم بالربا مع أمثالهم ومع المؤمنين ، وهذه المعاملة مؤدية إلى مخالطة الكفار ، نهوا عن هذه المعاملة التي هي الربا قطعا لمخالطة الكفار ومودّتهم ، واتخاذ إخلاء منهم ، لا سيما والمؤمنون في أول حال الإسلام ذوو إعسار ، والكفار من اليهود وغيرهم ذوو يسار. وكان أيضا أكل الحرام له مدخل