(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اختلف في سبب النزول وملخصه : أنه لعن ناسا أو شخصا عين أنه عتبة بن أبي وقاص ، أو أشخاصا دعا عليهم وعينوا : أبا سفيان ، والحرث بن هشام ، وصفوان بن أمية. أو قبائل عين منها : لحيان ، ورعل ، وذكوان ، وعصية. أو هم بسبب الذين انهزموا يوم أحد ، أو استأذن ربه أن يدعو. ودعا يوم أحد حين شجّ في وجهه ، وكسرت رباعيته ، ورمي بالحجارة ، حتى صرع لجنبه ، فلحقة ناس من فلاحهم ، ومال إلى أن يستأصلهم الله ويريح منهم ، فنزلت. فعلى هذه الأسباب يكون معنى الآية : التوقيف على أن جميع الأمور إنما هي لله ، فيدخل فيها هداية هؤلاء وإقرارهم على حالة. وفي خطابه : دليل على صدور أمر منه أو هم به ، أو استئذان في الدعاء كما تقدّم ذكره ، وأن عواقب الأمور بيد الله. قال الكوفيون : نسخت هذه الآية القنوت على رعل وذكوان وعصية وغيرهم من المشركين. وقال السخاوي : ليس هذا شرط الناسخ ، لأنه لم ينسخ قرآنا.
(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) قيل : هو عطف على ما قبله من الأفعال المنصوبة. ويكون قوله : ليس لك من الأمر شيء جملة اعتراضية ، والمعنى : أن الله مالك أمرهم ، فإما أن يهلكهم ، أو يهزمهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر. وقيل : أن مضمرة بعد أو ، بمعنى : إلا أن ، وهي التي في قولهم : لألزمنك أو تقضيني حقي ، والمعنى : أنه ليس له من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم بالإسلام فيسر بهداهم ، أو يعذبهم بقتل وأسر في الدنيا ، أو بنار في الآخرة ، فيستشفى بذلك ويستريح. وعلى هذا التأويل تكون الجملة المنفية للتأسيس ، لا للتأكيد. وقيل : أو يتوب معطوف على الأمر. وقيل : على شيء. أي : ليس لك من الأمر ، أو من توبتهم ، أو تعذيبهم شيء. أو ليس لك من الأمر شيء أو توبتهم ، أو تعذيبهم. والظاهر من هذه التخاريج الأربعة هو الأول. وأبعد من ذهب إلى أن قوله : ليس لك من الأمر ، أي أمر الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا.
وقال ابن بحر : من الأمر ، من هذا النصر ، وإنما هو من الله كما قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) (١) وقيل : المراد بالأمر أمر القتال. والظاهر الحمل على العموم ، والأمور كلها لله تعالى.
وقرأ أبي : أو يتوب عليهم أو يعذبهم برفعهما على معنى : أو هو يتوب عليهم ، ثم نبه
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ١٧.