ذنوبنا ، قاله : ابن مسعود ، وأبو هريرة ، وعطاء في آخرين. وروي عن أبي هريرة «ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم» ولا بدّ مع ذكر اللسان من مواطأة القلب ، وإلّا فلا اعتبار بهذا الاستغفار. ومن استغفر وهو مصرّفا فاستغفاره يحتاج إلى استغفار. والاستغفار سؤال الله بعد التوبة الغفران.
وقيل : ندموا وإن لم يسألوا. والظاهر الأول. ومفعول استغفروا الله محذوف لفهم المعنى ، أي فاستغفروا لذنوبهم. وتقدم الكلام على هذا الفعل وتعديته.
(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) جملة اعتراض المتعاطفين ، أو بين ذي الحال والحال. وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة إعرابا في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (١) وهذه الجملة الاعتراضية فيها ترفيق للنفس ، وداعية إلى رجاء الله وسعة عفوه ، واختصاصه بغفران الذنب. قال الزمخشري : وصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة ، وأنّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له ، وأنّه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه ، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب ، لأنّ العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز. وفيه تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة وبعث عليها ، وردع عن اليأس والقنوط. وأنّ الذنوب وإن جلت فإنّ عفوه أجل ، وكرمه أعظم. والمعنى : أنه وحده معه مصححات المغفرة انتهى. وهو كلام حسن ، غير أنه لم يخرج عن ألفاظ المعتزلة في قوله : وإنّ عدله يوجب المغفرة للتائب. وفي قوله : وجب العفو والتجاوز ، ولو لم نعلم أن مذهبه الاعتزال لتأولنا كلامه بأن هذا الوجوب هو بالوعد الصادق ، فهو من جهة السمع لا من جهة العقل فقط.
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي ولم يقيموا على قبيح فعلهم. وهذه الجملة معطوفة على فاستغفروا ، فهي من بعض أجزاء الجزاء المترتب على الشرط. ويجوز أن تكون الواو للحال ويكون حالا من الفاعل في فاستغفروا فهي من بعض أجزاء الجزاء ، أي : فاستغفروا لذنوبهم غير مصرّين. وما موصولة اسمية ، ويجوز أن تكون مصدرية.
قال قتادة : الإصرار المضي في الذنب قدما. وقال الحسن : هو إتيان الذنب حتى يتوب. وقال مجاهد : لم يصرّوا لم يمضوا. وقال السدي : هو ترك الاستغفار والسكوت عنه
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٠.