بقاء شرائعهم ، بل هم يموتون وتبقى شرائعهم يلتزمها أتباعهم. فكما مضت الرسل وانقضوا ، فكذلك حكمهم هو في ذلك واحد.
وقرأ الجمهور الرسل بالتعريف على سبيل التفخيم للرسل ، والتنويه بهم على مقتضى حالهم من الله. وفي مصحف عبد الله رسل بالتنكير ، وبها قرأ : ابن عباس ، وقحطان بن عبد الله. ووجهها أنه موضع تبشير لأمر النبي صلىاللهعليهوسلم في معنى الحياة ، ومكان تسوية بينه وبين البشر في ذلك. وهكذا يتصل في أماكن الاقتضاء به بالشيء ومنه : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١) (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٢) إلى غير ذلك. ذكر هذا الفرق بين التعريف والتنكير في نحو هذا المساق أبو الفتح ، وقراءة التعريف أوجه ، إذ تدل على تساوي كل في الخلق والموت ، فهذا الرسول هو مثلهم في ذلك.
(أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) لما صرخ بأن محمدا قد قتل ، تزلزلت أقدام المؤمنين ورعبت قلوبهم وأمعنوا في الفرار ، وكانوا ثلاث فرق : فرقة قالت : ما نصنع بالحياة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قاتلوا على ما قاتل عليه ، فقاتلوا حتى قتلوا ، منهم : أنس بن النضر. وفرقة قالوا : نلقي إليهم بأيدينا فإنهم قومنا وبنو عمنا. وفرقة أظهرت النفاق وقالوا : ارجعوا إلى دينكم الأوّل ، فلو كان محمد نبيا ما قتل.
وظاهر الانقلاب على العقبين هو الارتداد. وقيل : هو بالفرار لا الارتداد. وقد جاء هذا اللفظ في الارتداد والكفر في قوله : (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) (٣) وهذه الهمزة هي همزة الاستفهام الذي معناه الإنكار. والفاء للعطف ، وأصلها التقديم. إذ التقدير : فأ إن مات. لكنهم يعتنون بالاستفهام فيقدّمونه على حرف العطف ، وقد تقدّم لنا مثل هذا وخلاف الزمخشري فيه. وقال الخطيب كمال الدين الزملكاني : الأوجه أن يقدّر محذوف بعد الهمزة وقيل الفاء ، تكون الفاء عاطفة عليه. ولو صرّح به لقيل : أتؤمنون به مدة حياته ، فإن مات ارتددتم ، فتخالفوا سنن اتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملل أنبيائهم بعد وفاتهم انتهى. وهذه نزعة زمخشرية. وقد تقدم الكلام معه في نحو ذلك. وأن هذه الفاء إنما عطفت الجملة المستفهم عنها على الجملة الخبرية قبلها ، وهمزة الاستفهام داخلة على جملة الشرط وجزائه. وجزاؤه ، هو انقلبتم ، فلا تغير همزة الاستفهام شيئا من
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ١٣.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.