وقال السدي : هم أبو سفيان وأصحابه من عباد الأوثان. وقال الحسن أيضا : هو كعب وأصحابه. وقال أبو بكر الرّازي : فيها دلالة على النهي عن طاعة الكفار مطلقا ، لكن أجمع المسلمون على أنه لا يندرج تحته من وثقنا بنصحه منهم ، كالجاسوس والخرّيت الذي يهدي إلى الطريق ، وصاحب الرأي ذي المصلحة الظاهرة ، والزوجة تشير بصواب. والردة هنا على العقب كناية عن الرجوع إلى الكفر. وخاسرين : أي مغبونين ببيعكم الآخرة.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) بل : لترك الكلام الأول من غير إبطال وأخذ في كلام غيره. والمعنى : ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء ، بل الله مولاكم. وقرأ الحسن : بنصب الجلالة على معنى : بل أطيعوا الله ، لأن الشرط السابق يتضمن معنى النهي ، أي لا تطيعوا الكفار فتكفروا ، بل أطيعوا الله مولاكم.
(وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) لما ذكر أنه مولاهم ، أي ناصرهم ذكر أنّه خير ناصر لا يحتاج معه إلى نصرة أحد ، ولا ولايته. وفي هذا دلالة على أن من قاتل لنصر دين الله لا يخذل ولا يغلب لأن الله مولاه. وقال تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (١) (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) (٢).
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي هؤلاء الكفار ، وإن كانوا ظاهرين عليكم يوم أحد فإنا نخذلهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وأتى بالسين القريبة الاستقبال ، وكذا وقع. ألقى الله في قلوبهم الرّعب يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب من المسلمين ، ولهم إذ ذاك القوة والغلبة. وقيل : ذهبوا إلى مكة ، فلما كانوا ببعض الطريق قالوا : ما صنعنا شيئا ، قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرّعب في قلوبهم فأمسكوا. والإلقاء حقيقة في الإجرام ، واستعير هنا للجعل ، ونظيره : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) (٣) ومثله قول الشاعر :
هما نفثا في فيّ من فويهما |
|
على النابح العاوي أشد رجام |
وقرأ الجمهور : سنلقي بالنون ، وهو مشعر بعظم ما يلقى ، إذ أسنده إلى المتكلم بنون العظمة. وقرأ أيوب السختياني : سيلقي بالياء جريا على الغيبة السابقة في قوله : (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) وقدم في قلوبهم : وهو مجرور على المفعول للاهتمام بالمحل
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦.
(٣) سورة النور : ٢٤ / ٤.