منهم يوم أحد سبعون رجلا. وقال الجمهور : هو مخالفة الرسول في الرأي حين رأى أن يقيم بالمدينة ويترك الكفار بشر مجلس ، فخالفوا وخرجوا حتى جرت القصة. وقالت طائفة منهم ابن عباس ، ومقاتل : هو عصيان الرماة وتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين. وقد لخص الزمخشري هذه الأقوال الثلاثة أحسن تلخيص. فقال : المعنى أنتم السبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة ، أو لتخليتكم المركز. وعن عليّ : لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم انتهى. ولم يعين الله تعالى السبب ما هو لطفا بالمؤمنين في خطابه تعالى لهم. والظاهر في قوله : «أنّى هذا» (١) هو من سؤال المؤمنين على سبيل التعجب.
وذكر الرازي أن الله لما حكي عن المنافقين طعنهم في الرسول بأن نسبوه إلى الغلول والخيانة ، حكى عنهم شبهة أخرى في هذه الآية وهي قولهم : لو كان رسولا من عند الله لما انهزم عسكره يوم أحد ، وهو المراد من قولهم : أنّى هذا. فأجاب عنه بقوله : قل هو من عند أنفسكم ، أي هذا الانهزام إنما حصل بشؤم عصيانكم انتهى كلامه. ودل على أن قوله : أنى هذا من كلام المنافقين. وقال الماتريدي أيضا : إنّه من كلام المنافقين. والظاهر ما قلناه أنه من كلام المؤمنين ، وهم المخاطبون بقوله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) (٢) لأن المنافقين لم تصبهم مصيبة ، لأنهم رجعوا مع عبد الله بن أبي ولم يحضروا القتال ، إلا أن تجوز في قوله : أصابتكم مصيبة بمعنى أصابت أقرباءكم وإخوانكم ، فهو يمكن على بعد.
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي قادر على النصر ، وعلى منعه ، وعلى أن يصيب بكم تارة ، ويصيب منكم أخرى. ونبه بذلك على أن ما أصابهم كان لوهن في دينهم ، لا لضعف في قدرة الله ، لأن من هو قادر على كل شيء هو قادر على دفاعهم على كل حال.
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) هو يوم أحد. والجمعان ، جمع النبي صلىاللهعليهوسلم وكفار قريش ، والخطاب للمؤمنين. وما موصولة مبتدأ ، والخبر قوله : فبإذن الله ، وهو على إضمار أي : فهو بإذن الله. ودخول الفاء هنا. قال الحوفي : لما في الكلام من معنى الشرط لطلبته للفعل. وقال ابن عطية : ودخلت الفاء رابطة مسددة. وذلك للإبهام الذي في ما فأشبه الكلام الشرط ، وهذا كما قال سيبويه : الذي قام فله درهمان ، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء انتهى كلامه. وهو أحسن من كلام الحوفي ، لأن
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٥.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٥.