وبمن ، فيقال : زيد أقرب لكذا ، وإلى كذا ، ومن كذا من عمرو. فمن الأولى ليست التي يتعدى بها افعل التفضيل مطلقا في نحو : زيد أفضل من عمرو. وحرفا الجر هنا يتعلقان بأقرب ، وهذا من خواص أفعل التفضيل إنه يتعلق به حرفا جر من جنس واحد ، وليس أحدهما معطوفا على الآخر. ولا بدلا منه بخلاف سائر العوامل ، فإنه لا يتعلق به حرفا جر من جنس واحد إلا بالعطف ، أو على سبيل البدل. فتقول : زيد بالنحو أبصر منه بالفقه.
والعامل في يومئذ أقرب. ومنهم متعلق بأقرب أيضا ، والجملة المعوض منها التنوين هي السابقة ، أي : هم قوم إذ قالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم. وذهب بعض المفسرين فيما حكى النقاش : إلى أن أقرب ليس هو هنا المقابل للأبعد ، وإنما هو من القرب بفتح القاف والراء وهو المطلب ، والقارب طالب الماء ، وليلة القرب ليلة الوداد ، فاللفظة بمعنى الطلب. ويتعين على هذا القول التعدية باللام ، ولا يجوز أن تعدّى بإلى ولا بمن التي لا تصحب كل أفعل التفضيل ، وصار نظير زيد أقرب لعمرو من بكر. وأكثر العلماء على أن هذه الجملة تضمنت النص على كفرهم. قال الحسن : إذا قال الله : أقرب ، فهو اليقين بأنهم مشركون. كقوله : «مائة ألف أو يزيدون» (١) فالزيادة لا شك فيها ، والمكلف لا ينفك عن الكفر أو الإيمان. فلما دلت على الأقربية من الكفر لزم حصول الكفر.
وقال الواحدي في الوسيط : هذه الآية دليل على أنّ من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ، لأنه تعالى لم يطلق القول عليهم بتكفيرهم مع أنهم كانوا كافرين مع إظهارهم لقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال الماتريدي : أقرب أي ألزم على الكفر ، وأقبل له مع وجود الكفر منهم حقيقة ، لا على القرب إليه قبل الوقوع والوجود لقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٢) أي هي لهم لا على القرب قبل الوجود ، لكنهم لما كانوا أهل نفاق والكفر لم يفارق قلوبهم وما كان من إيمانهم ، كان بظاهر اللسان قد يفارقها في أكثر أوقاتهم ، وصفوا به. ويحتمل أن يحمل على القرب من حيث كانوا شاكين في الأمر ، والشاك في أمر الكفر والإيمان تارك للإيمان ، فهو أقرب إلى الكفر. أو من حيث قالوا للمؤمنين : «ألم نكن معكم» (٣) وللكافرين : «ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين» (٤) أو من حيث ما أظهروا من الإيمان كذب ، والكفر نفسه كذب. فما أظهروا من الإيمان فهو
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٧.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٥٦.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١٤١.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٤١.