كذب إلى الكذب الذي هم أقرب إليه وهو الكفر ، أو من حيث أنهم أحق به أن يعرفوا. كما جعل الله لهم أعلاما يعرفون بها ، أو من حيث لا يعبدون الله ولا يعرفونه ، بل هم عباد الأصنام لاتخاذهم لها أربابا ، أو لتقرّبهم بها إلى الله ، فإذا أصابتهم شدّة فزعوا إلى الله ، والمؤمنون يرجعون إلى الله في الشدّة والرخاء.
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي يظهرون من الإسلام ما يحقنون به دماءهم ، ويحفظون أهليهم من السبي ، وأموالهم من النهب. وليس ما يظهرون ما تنطوي عليه ضمائرهم ، بل هو لا يتجاوز أفواههم ومخارج الحروف منها ، ولم تع قلوبهم منه شيئا. وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم ، وأنّ إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم ، بخلاف إيمان المؤمنين في مواطأة عقد قلوبهم للفظ ألسنتهم. قال ابن عطية : بأفواههم توكيد مثل : يطير بجناحيه انتهى. ولا يظهر أنه توكيد ، إذ القول ينطلق على اللساني والنفساني ، فهو مخصص لأحد الانطلاقين إلا إن قلنا : إنّ إطلاقه على النفساني مجاز ، فيكون إذ ذاك توكيدا لحقيقة القول.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) أي من الكفر وعداوة الدين. وقال : أعلم ، لأن علمه تعالى بهم علم إحاطة بتفاصيل ما يكتمونه وكيفياته ، ونحن نعلم بعض ذلك علما مجملا. وتضمنت هذه الجملة التوعد الشديد لهم ، إذ المعنى : ترتب الجزاء على علمه تعالى بما يكتمون.
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) هذه الآية نظير قوله : «وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض» (١) الآية وفسر الإخوان هنا بما فسر به هناك. وتحتمل لام الجر ما احتملته في تلك ، وجوزوا في إعراب الذين وجوها : الرفع على النعت للذين نافقوا ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من الواو في يكتمون ، والنصب على الذم أي : أذم الذين ، والجرّ على البدل من الضمير في بأفواههم أو في قلوبهم.
والجملة من قوله : وقعدوا حالية أي : وقد قعدوا. ووقوع الماضي حالا في مثل هذا التركيب مصحوبا بقد ، أو بالواو ، أو بهما ، أو دونهما ، ثابت من لسان العرب بالسماع.
ومتعلق الطاعة هو ترك الخروج. والقعود كما قعدوا هم ، وهذا منهم قول بالأجلين أي : لو وافقونا في التخلف والقعود ما قتلوا ، كما لم نقتل نحن. وقرأ الحسن : ما قتلوا بالتشديد.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٦.