أحياء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : بل هم أحياء. وقرأ ابن أبي عبلة : أحياء بالنصب. قال الزمخشري : على معنى بل أحسبهم أحياء انتهى. وتبع في إضمار هذا الفعل الزجاج. قال الزجاج : ويجوز النصب على معنى : بل أحسبهم أحياء. ورده عليه أبو علي الفارسي في الإغفال وقال : لا يجوز ذلك ، لأن الأمر يقين ، فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة ، ولا يصح أن يضمر له إلا فعل المحسبة. فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن يضمر فعلا غير المحسبة اعتقدهم أو اجعلهم ، وذلك ضعيف ، إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر انتهى كلام أبي علي. وقوله : لا يجوز ذلك لأن الأمر يقين ، فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة معناه : أنّ المتيقن لا يعبر عنه بالمحسبة ، لأنها لا تكون لليقين. وهذا الذي ذكره هو الأكثر ، وقد يقع حسب لليقين كما تقع ظن ، لكنه في ظن كثير ، وفي حسب قليل. ومن ذلك في حسب قول الشاعر :
حسبت التقى والحمد خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا |
وقول الآخر :
شهدت وفاتوني وكنت حسبتني |
|
فقيرا إلى أن يشهدوا وتغيبي |
فلو قدر بعد : بل أحسبهم بمعنى أعلمهم ، لصحّ لدلالة المعنى عليه ، لا لدلالة لفظ ولا تحسبن ، لاختلاف مدلوليهما. وإذا اختلف المدلول فلا يدل أحدهما على الآخر. وقوله : ولا يصح أن يضمر له إلا فعل المحسبة غير مسلم ، لأنه إذا امتنع من حيث المعنى إضماره أضمر غيره لدلالة المعنى عليه لا اللفظ. وقوله : أو اجعلهم ، هذا لا يصح البتة ، سواء كانت اجعلهم بمعنى أخلقهم ، أو صيرهم ، أو سمهم ، أو القهم. وقوله : وذلك ضعيف أي النصب ، وقوله : إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر إن عنى من حيث اللفظ فصحيح ، وإن عنى من حيث المعنى فغير مسلم له ، بل المعنى يسوغ النصب على معنى اعتقدهم ، وهذا على تسليم إن حسب لا يذهب بها مذهب العلم.
ومعنى عند ربهم : بالمكانة والزلفى ، لا بالمكان. قال ابن عطية : فيه حذف مضاف تقديره : عند كرامة ربهم ، لأن عند تقتضي غاية القرب ، ولذلك يصغر قاله سيبويه انتهى. ويحتمل عند ربهم أن يكون خبرا ثانيا ، وصفة ، وحالا. وكذلك يرزقون : يجوز أن يكون خبرا ثالثا ، وأن يكون صفة ثانية. وقدّم صفة الظرف على صفة الجملة ، لأن الأفصح هذا وهو : أن يقدم الظرف أو المجرور على الجملة إذا كانا وصفين ، ولأن المعنى في الوصف