بالزلفى عند الله والقرب منه أشرف من الوصف بالرزق. وأن يكون حالا من الضمير المستكن في الظرف ، ويكون العامل فيه في الحقيقة هو العامل في الظرف.
قال ابن عطية : أخبر تعالى عن الشهداء أنهم في الجنة يرزقون ، هذا موضع الفائدة. ولا محالة أنهم ماتوا ، وإنّ أجسادهم في التراب ، وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين. وفضّلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل ، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم. فقوله : بل أحياء مقدمة لقوله : يرزقون ، إذ لا يرزق إلا حي. وهذا كما يقول لمن ذم رجلا. بل هو رجل فاضل ، فتجيء باسم الجنس الذي تركب عليه الوصف بالفضل انتهى ما قاله ابن عطية. ولا يلزم ما ذكره من أن لفظة أحياء جيء بها مجتلبة لذكر الرزق ، لكون الحياة مشتركا فيها الشهيد والمؤمنون ، لأنه يجوز أن يكون هذا الإخبار بحياة الشهداء متقدما على الإخبار بأن أرواح المؤمنين على العموم حية فاستفيد ، أو لا حياة أرواح الشهداء ، ثم جاء بعد الإخبار بحياة أرواح المؤمنين. وأيضا ففي ذكره النص على نقيض ما حسبوه وهو : كون الشهداء أمواتا. والبعد عن أن يراد بقوله : يرزقون ، ما يحتمله المضارع من الاستقبال. فإذا سبقه ما يدل على الالتباس بالوصف حالة الإخبار كان حكم ما بعده حكمه ، إذ الأصل في الإخبار أن يكون من أسندت إليه متصفا بذلك في الحال ، إلا إن دلت قرينة على مضي أو استقبال من لفظ أو معنى ، فيصار إليه.
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي مسرورين بما أعطاهم الله من قربه ، ودخول جنته ، ورزقهم فيها ، إلى سائر ما أكرمهم به ، ولا تعارض بين : فرحين ، وبين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (١) في قصة قارون. لأنّ ذاك بالملاذ الدنيوية ، وهذا بالملاذ الأخروية. ولذك جاء قل بفضل الله وبرحمته ، فبذلك فليفرحوا وجاء : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (٢).
ومن يحتمل أن تكون للسبب ، أي : ما آتاهم الله متسبب عن فضله ، فتتعلق الباء بآتاهم. ويحتمل أن تكون للتبعيض ، فتكون في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد على ما ، أي : بما آتاهموه الله كائنا من فضله. ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية ، فتتعلق بآتاهم. وجوّزوا في فرحين أن يكون حالا من الضمير في يرزقون ، أو من الضمير في الظرف ، أو من الضمير في أحياء ، وأن يكون صفة لأحياء إذا نصب.
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ١٧٦.
(٢) سورة المطففين : ٨٣ / ٢٦.