(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) وهم : جميع المؤمنين ، أي : يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف والحزن عن إخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في الشهادة ، فهم فرحون بما حصل لهم ، مستبشرون بما يحصل لإخوانهم المؤمنين قاله : الزجاج وابن فورك وغيرهما. وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم : هم الشهداء الذين يأتونهم بعد من إخوانهم المؤمنين الذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون ، فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء ، إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة الله تعالى.
قال ابن عطية : وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة ، بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار. انتهى كلامه. أما قوله : ليست بمعنى طلب البشارة فصحيح ، وأما قوله : بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار ، فيعني أنها تكون بمعنى الفعل المجرد كاستغنى بمعنى غني ، واستمجد بمعنى مجد ، ونقل أنه يقال : بشر الرجل بكسر الشين ، فيكون استبشر بمعناه. ولا يتعين هذا المعنى ، بل يجوز أن يكون مطاوعا لأفعل ، وهو الأظهر أي : أبشره الله فاستبشر ، كقولهم : أكانه فاستكان ، وأشلاه فاستشلى ، وأراحه فاستراح ، وأحكمه فاستحكم ، وأكنه فاستكنّ ، وأمرّه فاستمرّ ، وهو كثير. وإنما كان هذا الأظهر هنا ، لأنه من حيث المطاوعة يكون منفعلا عن غيره ، فحصلت له البشرى بابشار الله له بذلك. ولا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرد ، لأنه لا يدل على المطاوعة. ومعنى : من خلفهم ، قد بقوا بعدهم ، وهم قد تقدّموهم إذا كان المعنى بالذين لم يلحقوا الشهداء ، وإن كان المعنيّ بهم المؤمنين فمعنى لم يلحقوا بهم أي : لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.
(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وجوزوا في إعراب ويستبشرون أن يكون معطوفا على فرحين ومستبشرين كقوله : «صافات ويقبضن» (١) أي قابضات وأن يكون على إضمارهم. والواو للحال ، فتكون حالية من الضمير في فرحين ، أو من ضمير المفعولين في آتاهم ، أو للعطف. ويكون مستأنفا من باب عطف الجملة الاسمية أو الفعلية على نظيرها.
وإن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ضمير الشأن ، وخبرها الجملة المنفية بلا. وإن ما بعدها في تأويل مصدر مجرور على أنه بدل اشتمال من الذين ، فيكون هو المستبشر به في الحقيقة. أو منصوب على أنه مفعول من أجله ، فيكون علة للاستبشار ،
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ١٩.