وقيل : الخطاب للكافرين ، وهو ظاهر ، ولا سيما على قراءة من قرأ : ستغلبون ، بالتاء. ويخرج ذلك من قول ابن عباس ، وعلى هذا يكون ذلك تخويفا لهم ، وإعلاما بأن الله سينصر دينه. وقد أراكم في ذلك مثالا بما جرى لمشركي قريش من الخذلان والقتل والأسر.
وقيل : الخطاب لليهود ، قاله الفراء ، وابن الأنباري وابن جرير ، وعلى هذا يكون ذلك تخويفا لهم ، كأنه قيل : لا تغتروا بدربتكم في الحرب ، ومنعة حصونكم ، ومجالبتكم لمشركي قريش ، فإن الله غالبكم ، وقد علمتم ما حل بأهل بدر ، ولم يلحق التاء : كان ، وإن كان قد أسند إلى مؤنث ، وهو الآية ، لأجل أنه تأنيث مجازي. وازداد حسنا بالفصل ، وإذا كان الفصل محسنا في المؤنث الحقيقي ، فهو أولى في المؤنث المجازي ، ومن كلامهم : حضر القاضي امرأة. وقال :
إن امرأ غره منكن واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور |
وقيل : ذكر لأن معنى الآية البيان ، فهو كما قال :
برهرهة رودة رخصة |
|
كخرعوبة البانة المنفطر |
ذهب إلى القضيب ، وفي قوله (فِي فِئَتَيْنِ) محذوف تقديره في : قصة فئتين ، ومعنى : التقتا ، أي للحرب والقتال.
(فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) أي : فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله ، وفئة أخرى تقاتل في سبيل الشيطان ، فحذف من الأولى ما أثبتت مقابله في الثانية ، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى ، فذكر في الأولى لازم الإيمان ، وهو القتال في سبيل الله. وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان ، وهو الكفر.
والجمهور برفع : فئة ، على القطع ، التقدير : إحداهما ، فيكون : فئة ، على هذا خبر مبتدأ محذوف ، أو التقدير : منهما ، فيكون مبتدأ محذوف الخبر.
وقيل : الرفع على البدل من الضمير في التقتا.
وقرأ مجاهد ، والحسن ، والزهري وحميد : فئة ، بالجر على البدل التفصيلي ، وهو بدل كل من كل ، كما قال :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رمى فيها الزمان فشلّت |