بالتاء ، خطابا ، فتكون الجملة معمولا للقول. ومن قرأ بالياء فالظاهر أن الضمير : للذين كفروا ، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية بقل ، بل محكية بقول آخر ، التقدير : قل لهم قولي سيغلبون ، وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة. كما قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (١) فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون ، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون ، وأجاز بعضهم ، وهو : الفراء ، وأحمد بن يحيى ، وأورده ابن عطية ، احتمالا أن يعود الضمير في : سيغلبون ، في قراءة التاء على قريش ، أي : قل لليهود ستغلب قريش ، وفيه بعد.
والظاهر أن : الذين كفروا ، يعم الفريقين المشركين واليهود ، وكل قد غلب بالسيف ، والجزية ، والذلة ، وظهور الدلائل والحجج ، وإلى معناها الغاية ، وإن جهنم منتهى حشرهم ، وأبعد من ذهب إلى أن : إلى ، في معنى : في ، فيكون المعنى : إنهم يجمعون في جهنم وبئس المهاد ، يحتمل أن يكون من جملة المقول ، ويحتمل أن يكون استئناف كلام منه تعالى ، قاله الراغب ؛ والمخصوص بالذم محذوف لدلالة ما قبله عليه ، التقدير : وبئس المهاد جهنم. وكثيرا ما يحذف لفهم المعنى ، وهذا مما يستدل به لمذهب سيبويه : أنه مبتدأ والجملة التي قبله في موضع الخبر ، إذ لو كان خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر للزم من ذلك حذف الجملة برأسها من غير أن يبقى ما يدل عليها ، وذلك لا يجوز ، لأن حذف المفرد أسهل من حذف الجملة. وأمّا من جعل : المهاد ، ما مهدوا لأنفسهم ، أي : بئسما مهدوا لأنفسهم ، وكان المعنى عنده ، و : بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم ، ففيه بعد ، ويروى عن مجاهد.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) قال في (ري الظمآن) : أجمع المفسرون على أنها وقعة بدر ، والخطاب للمؤمنين ، قاله أبن مسعود ، والحسن. فعلى هذا معنى الآية تثبيت النفوس وتشجيعها ، لأنه لما أمر أن يقول للكفار ما قال ، أمكن أن يستبعد ذلك المنافقون وبعض ضعفة المؤمنين ، كما قال من قال يوم الخندق : يعدنا محمد أموال كسرى وقيصر ونحن نأمن على النساء في المذهب ، وكما قال عدي بن حاتم ، حين أخبره النبي صلىاللهعليهوسلم بالأمنة التي تأتي ، فقلت في نفسي : فأين ذعار طيء الذين سعروا البلاد؟ الحديث بكماله.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٨.