والقول الثاني : أنه خبر بفناء العالم ، وأنّ جميع ما يخلفونه فهو وارثه. وهو خطاب على ما يفهم البشر ، دلّ على فناء الجميع ، وأنه لا يبقى مالك إلا الله ، وإن كان ملكه على كل شيء لم يزل.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ختم بهذه الصفة ومعناها التهديد والوعيد على قبيح مرتكبهم من البخل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : يعملون على الغيبة جريا على يبخلون وسيطوّقون. وقرأ الباقون : بالتاء على الالتفات ، فيكون ذلك خطابا للباخلين. وقال ابن عطية : وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة ، لأنه قد تقدّم (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) (١). انتهى. فلا يكون على قوله التفاتا ، والأحسن الالتفات.
وتضمنت هذه الآيات فنونا من البلاغة والبديع. الاختصاص في : أجر المؤمنين. والتكرار في : يستبشرون ، وفي : لن يضروا الله شيئا ، وفي : اسمه في عدة مواضع ، وفي : لا يحسبن الذين كفروا ، وفي : ذكر الإملاء. والطباق في : اشتروا الكفر بالإيمان ، وفي : ليطلعكم على الغيب. والاستعارة في : يسارعون ، وفي : اشتروا ، وفي : نملي وفي : ليزدادوا إثما ، وفي : الخبيث والطيب. والتجنيس المماثل في : فآمنوا وإن تؤمنوا. والالتفات في : أنتم إن كان خطابا للمؤمنين ، إذ لو جرى على لفظ المؤمنين لكان على ما هم عليه ، وإن كان خطابا لغيرهم كان من تلوين الخطاب ، وفي : تعملون خبير فيمن قرأ بتاء الخطاب. والحذف في مواضع.
لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٩.