وأجيب بأنه من الالتفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (١) ويحتمل أن يعود الضمير في : مثليهم ، على الفئة المقاتلة في سبيل الله ، أي : ترون أيها المؤمنون الفئة الكافرة مثلي الفئة المقاتلة في سبيل الله وهم أنفسهم. والمعنى : ترونهم مثليكم ، وهذا تقليل ، إذ كانوا نيفا على ألف ، والمسلمون في تقدير ثلث. منهم ، فأرى الله المسلمين الكافرين في ضعفي المسلمين على ما قرر في قوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (٢) لتجترؤا عليهم.
وإذن كان الضمير في : لكم ، للكافرين وفي : ترونهم ، الخطاب لهم ، والمنصوب والمجرور للمؤمنين. والتقدير : ترون أيها الكافرون المؤمنين مثلي أنفسهم.
ويحتمل أن يكون الضمير المجرور عائدا على الفئة الكافرة ، أي : مثلي الفئة الكافرة وهم أنفسهم ، فيكون الله تعالى قد أرى المشركين المؤمنين أضعاف أنفس المؤمنين ، أو أضعاف الكافرين على قلة المؤمنين ليهابوهم ويجبنوا عنهم ، وكانت تلك الرؤية مددا من الله للمؤمنين ، كما أمدهم تعالى بالملائكة ، فإن كانت هذه ، وآية الأنفال في قصة واحدة ، فالجمع بين هذا التكثير وذاك التقليل باعتبار حالين ، قللوا أولا في أعين الكفار حتى يجترؤا على ملاقاة المؤمنين ، وكثروا حالة الملاقاة حتى قهروا وغلبوا ، كقوله : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣) (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٤) وأما من قرأ بالياء المفتوحة. فالظاهر أن الجملة صفة لقوله : وأخرى كافرة ، وضمير الرفع عائد عليها على المعنى ، إذ لو عاد على اللفظ لكان : تراهم ، وضمير النصب عائد على : فئة تقاتل في سبيل الله ، وضمير الجرّ في : مثليهم ، عائد على فئة أيضا ، وذلك على معنى الفئة ، إذ لو عاد على اللفظ لكان التركيب : تراها مثليها ، أي ترى الفئة الكافرة الفئة المؤمنة في مثلي عدد نفسها. أي : ستمائة ونيف وعشرين ، أو مثلي أنفس الفئة الكافرة ، أي ألفين ، أو قريبا من ألفين.
ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل عائدا على الفئة المؤمنة على المعنى ، والضمير المنصوب والمجرور عائدا على الفئة الكافرة على المعنى ، أي : ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثلي نفسها.
ويحتمل أن يعود الضمير المجرور على الفئة الكافرة ، أي : مثلي الفئة الكافرة.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٢٢.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٦٦.
(٣) سورة الصافات : ٣٧ / ٢٤.
(٤) سورة الرحمن : ٥٥ / ٣٩.