والجملة إذ ذاك صفة لقوله : وأخرى كافرة ، ففي الوجه الأول الرابط الواو ، وفي هذا الوجه الرابط ضمير النصب. وإذا كان الضمير في : لكم ، لليهود ؛ فالآية كما أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقوله لهم احتجاجا عليهم ، وتثبيتا لصورة الوعد السابق من أن الكفار : سيغلبون.
فمن قرأ بالتاء كان معناه : لو حضرتم ، أو : إن كنتم حضرتم ، وساغ هذا الخطاب لوضوح الأمر في نفسه ، ووقوع اليقين به ، لكل إنسان في ذلك العصر ، ومن قرأ بالياء فضمير الفاعل يحتمل أن يكون للفئة المؤمنة ، ويحتمل أن يكون للفئة الكافرة على ما تقرر قبل.
والرؤية في هاتين القراءتين بصرية تتعدّى لواحد ، وانتصب : مثليهم ، على الحال. قاله أبو علي ، ومكي ، والمهدوي. ويقوي ذلك ظاهر قوله : رأي العين ، وانتصابه على هذا انتصاب المصدر المؤكد.
قال الزمخشري : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات. وقيل : الرؤية هنا من رؤية القلب ، فيتعدى لإثنين ، والثاني هو : مثليهم. ورد هذا بوجهين : أحدهما : قوله تعالى : رأي العين ، والثاني : أن رؤية القلب علم ، ومحال أن يعلم الشيء شيئين.
وأجيب عن الأول : بأن انتصابه انتصاب المصدر التشبيهي ، أي : رأيا مثل رأي العين أي يشبه رأي العين وليس في التحقيق به. وعن الثاني : بأن معنى الرؤية هنا الاعتقاد ، فلا يكون ذلك محالا. وإذا كانوا قد أطلقوا العلم في اللغة على الاعتقاد دون اليقين ، فلأن يطلقوا الرأي عليه أولى. قال تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (١) أي فإن اعتقدتم إيمانهن ، ويدل على هذا قراءة من قرأ : ترونهم ، بضم التاء ، أو الياء. قالوا : فكأن المعنى أن اعتقاد التضعيف في جمع الكفار أو المؤمنين كان تخمينا وظنا ، لا يقينا. فلذلك ترك في العبارة ضرب من الشك ، وذلك أن : أري ، بضم الهمزة تقولها فيما عندك فيه نظر ، وإذا كان كذلك ، فكما استحال أن يحمل الرأي هنا على العلم ، يستحيل أن يحمل على النظر بالعين ، لأنه كما لا يقع العلم غير مطابق للمعلوم ، كذلك لا يقع النظر البصري مخالفا للمنظور إليه ، فالظاهر أن ذلك إنما هو على سبيل التخمين والظن ، وإنه لتمكن ذلك في اعتقادهم. شبه برؤية العين.
__________________
(١) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٠.