من الرشد ، وطرف ومخيلة من مخيلته ، ولا ينتظر به تمام الرشد. قال ابن عطية ومالك : يرى الشرطين : البلوغ والرشد ، وحينئذ يدفع المال. وأبو حنيفة : يرى أن يدفع المال بالشرط الواحد ما لم يحفظ له سفه ، كما أبيحت التسرية بالشرط الواحد. وكتاب الله قد قيدها بعدم الطول ، وخوف العنت. والتمثيل عندي في دفع المال بتوالي الشرطين غير صحيح ، وذلك أنّ البلوغ لم تسقه الآية سببا في الشرط ، ولكنها حالة الغالب على بني آدم أن تلتئم عقولهم فيها ، فهو الوقت الذي لا يعتبر شرط الرشد إلا فيه. فقال : إذا بلغ ذلك الوقت فلينظر إلى الشرط وهو : الرشد حينئذ. وفصاحة الكلام تدل على ذلك لأن التوقيت بالبلوغ جاء بإذا ، والمشروط جاء بإن التي هي قاعدة حروف الشرط. وإذا ليست بحرف شرط لحصول ما بعدها ، وأجاز سيبويه أن يجازى بها في الشعر. وقال : فعلوا ذلك مضطرين ، وإنما جوزي بها لأنها تحتاج إلى جواب ، ولأنها يليها الفعل مظهرا أو مضمرا. واحتج الخليل على منع شرطيتها بحصول ما بعدها. ألا ترى أنك تقول : أجيئك إذا احمرّ البسر ، ولا تقول : إن احمرّ البسر انتهى كلامه. ودل كلامه على أنّ إذا ظرف مجرّد من معنى الشرط ، وهذا مخالف لكلام النحويين. بل النحويون كالمجمعين على أنّ إذا ظرف لما يستقبل فيه معنى الشرط غالبا ، وإن صرح أحد منهم بأنها ليست أداة شرط فإنما يعني أنها لا تجزم كأدوات الشرط ، لا نفي كونها تأتي للشرط. وكيف تقول ذلك ، والغالب عليها أنها تكون شرطا؟ ولم تتعرّض الآية إلى حكم من أونس منه الرشد بعد البلوغ ، ودفع إليه ماله ، ثم عاد إلى السفه ، أيعود الحجر عليه أم لا؟ وفيه قولان : قال مالك : يعود. وقال أبو حنيفة : لا يعود ، والقولان عن الشافعي.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) تقدم أنه يعبر بالأكل عن الأخذ ، لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع بالمأخوذ. وهذه الجملة مستقلة. نهاهم تعالى عن أكل أموال اليتامى وإتلافها بسوء التصرف ، وليست معطوفة على جواب الشرط ، لأنه وشرطه مترتبان على بلوغ النكاح. وهو معارض لقوله : وبدارا أن يكبروا ، فيلزم منه مشقة على ما ترتب عليه ، وذلك ممتنع. وبهذا الذي قرّرناه يتضح خطأ من جعل ولا تأكلوها عطفا على فادفعوا ، وليس تقييد النهي بأكل أموال اليتامى في هاتين الحالتين مما يبيح الأكل بدونهما ، فيكون من باب دليل الخطاب. والإسراف : الإفراط في الإنفاق ، والسرف الخطأ في مواضع الإنفاق. قال :
أعطوا هنيدة تجدوها ثمانية |
|
ما في عطائهم منّ ولا سرف |