إلى لفظ الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام ، وطلب حصوله سرعة ، وقيل : يعهد إليكم كقوله : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) (١) وقيل : يبين لكم في أولادكم مقادير ما أثبت لهم من الحق مطلقا بقوله للرّجال وأولوا الأرحام (٢) وقيل : يفرض لكم. وهذه أقوال متقاربة.
والخطاب في : يوصيكم ، للمؤمنين ، وفي أولادكم : هو على حذف مضاف. أي : في أولاد موتاكم ، لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده ويفرض عليه ذلك ، وإن كان المعنى بيوصيكم يبين جاز أن يخاطب الحي ، ولا يحتاج إلى حذف مضاف. والأولاد يشمل الذكور والإناث ، إلا أنه خص من هذا العموم من قام به مانع الإرث ، فأما الرّق فمانع بالإجماع ، وأما الكفر فكذلك ، إلا ما ذهب إليه معاذ من : أن المسلم يرث الكافر. وأما القتل فإن قتل أباه لم يرث ، وكذا إذا قتل جده وأخاه أو عمه ، لا يرث من الدية ، هذا مذهب ابن المسيب ، وعطاء ، ومجاهد ، والزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وسفيان وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد : لا يرث من المال ، ولا من الدية شيئا. واستثنى النخعي من عموم أولادكم الأسير ، فقال : لا يرث.
وقال الجمهور : إذا علمت حياته يرث ، فإن جهلت فحكمه حكم المفقود. واستثنى من العموم الميراث من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأما الجنين فإن خرج ميتا لم يرث ، وإن خرج حيا فقال القاسم ، وابن سيرين ، وقتادة ، والشعبي ، والزهري ، ومالك ، والشافعي : يستهل صارخا ، ولو عطس أو تحرك أو صاح أو رضع أو كان فيه نفس. وقال الأوزاعي وسفيان والشافعي : إذا عرفت حياته بشيء من هذه ، وإن لم يستهل فحكمه حكم الحي في الإرث. وأما الجنين في بطن أمه فلا خلاف في أنه يرث ، وإنما الخلاف في قسمة المال الذي له فيه سهم. وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما الخنثى فداخل في عموم أولادكم ، ولا خلاف في توريثه ، والخلاف فيما يرث وفيما يعرف به أنه خنثى ، وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما المفقود فقال أبو حنيفة : لا يرث في حال فقده من أحد شيئا.
وقال الشافعي : يوقف نصيبه حتى يتحقق موته ، وهو ظاهر قول مالك : وأما المجنون والمعتوه والسفيه فيرثون إجماعا ، والولد حقيقة في ولد الصلب ويستعمل في ولد الابن ، والظاهر أنه مجاز. إذ لو كان حقيقة بطريق الاشتراك أو التواطؤ لشارك ولد الصلب مطلقا ،
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١٣.
(٢) إشارة إلى الآية ٧ من سورة النساء.