تقرر هذا اتضح ضعف قول الزمخشري في قوله : (فإن قلت) : من المراد بالذين يعملون السيئات ، أهم الفساق من أهل القبلة ، أم الكفار؟ (قلت) : فيه وجهان : أحدهما : أن يراد به الكفار لظاهر قوله : وهم كفار ، وأن يراد الفساق لأن الكلام إنما وقع في الزانيين ، والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا ، ويكون قوله : وهم كفار واردا على سبيل التغليظ كقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١) وقوله : «فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» ، من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ، لأنّ من كان مصدقا ومات وهو لا يحدث نفسه بالتوبة حاله قريبة من حال الكافر ، لأنه لا يجتري على ذلك إلا قلب مصمت انتهى لامه. وهو في غاية الاضطراب ، لأنه قبل ذلك حمل الآية على أنها دالة على قسمين : أحدهما : الذين سوفوا التوبة إلى حضور الموت ، والثاني : الذين ماتوا على الكفر. وفي هذا الجواب حمل الآية على أنها أريد بها أحد القسمين. أما الكفار فقط وهم الذين وصفوا عنده بأنهم يعملون السيئات ويموتون على الكفر ، وعلل هذا الوجه بقوله : لظاهر قوله : وهم كفار ، فجعل هذه الحال دالة على أنه أريد بالذين يعملون السيئات هم الكفار ، وأما الفساق من المؤمنين فيكون قوله : وهم كفار لا يراد به الكفر حقيقة ، ولا أنهم يوافون على الكفر حقيقة ، وإنما جاء ذلك على سبيل التغليظ عنده : فقد خالف تفسيره في هذا الجواب صدر تفسيره الآية ، أولا وكل ذلك انتصار لمذهبه حتى يرتب العذاب : إما للكافر ، وإما للفاسق ، فخرج بذلك عن قوانين النحو ، والحمل على الظاهر. لأن قوله : وهم كفار ، ليس ظاهره إلا أنه قيد في قوله : ولا الذين يموتون ، وظاهره الموافاة على الكفر حقيقة. وكما أنه شرط في انتفاء قبول توبة الذين يعملون السيئات إيقاعها في حال حضور الموت ، كذلك شرط في ذلك كفرهم حالة الموت ، وظاهر العطف التغاير والزمخشري كما قيل في المثل : حبك الشيء يعمي ويصم. وجاء يعملون بصيغة المضارع لا بصيغة الماضي إشعارا بأنهم مصرون على عمل السيئات إلى أن يحضرهم الموت. وظاهر قوله : قال : إني تبت الآن ، هو توبتهم عند معاينة الموت كما تقدّم تفسيره ، فلا تقبل توبتهم لأنها توبة دفع. وقيل : قوله تبت الآن توبة شريطية فلم تقبل ، لأنه لم يقطع بها. وقوله : وليست التوبة ظاهرة النفي لوجودها ، والمعنى على نفي القبول أي : أن توبتهم وإن وجدت فليست بمقبولة. وظاهر قوله : ولا الذين يموتون وهم كفار ، وقوع الموت حقيقة. فالمعنى : أنهم لو تابوا في الآخرة لم تقبل توبتهم ، لأنه لا يمكن ذلك في الدنيا ، لأنهم ماتوا ملتبسين بالكفر. قيل : ويحتمل أن يراد
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.