بقوله : يموتون ، يقربون من الموت كما في قوله : (حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) (١) أي علاماته. فكما أنّ التوبة عن المعصية لا تقبل عند القرب من الموت ، كذلك الإيمان لا يقبل عند القرب من الموت.
(أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) يحتمل أن تكون الإشارة إلى الصنفين ، ويكونان قد شركا في إعداد العذاب لهما ، وإن كان عذاب أحدهما منقطعا والآخر خالدا. ويكون ذلك وعيدا للعاصي الذي لم يتب إلا عند معاينة الموت حيث شرّك بينه وبين الذي وافى على الكفر ، ويحتمل أن يكون أولئك إشارة إلى الصنف الأخير إذ هو أقرب مذكور. واسم الإشارة يجري مجرى الضمير ، فيشار به إلى أقرب مذكور ، كما يعود الضمير على أقرب مذكور ، ويكون إعداد العذاب مرتبا على الموافاة على الكفر ، إذ الكفر هو مقطع الرجاء من عفو الله تعالى. وظاهر الإعداد أنّ النار مخلوقة وسبق الكلام على ذلك.
وقال الزمخشري : أولئك أعتدنا لهم في الوعيد ، نظير قوله : (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) (٢) في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة انتهى. وتلطف الزمخشري في دسه الاعتزال هنا ، وذلك أنه كان قد قرر أول كلامه بأنّ من نفى عنهم التوبة صفنان ، ثم ذكر هذا عقيبه ، وفهم منه أن الوعيد في حق هذين الصنفين ، كائن لا محالة ، كما أن الوعد للذين تقبل توبتهم من الصنف المذكور ، قبل هذه الآية واقع لا محالة ، فدل على أنّ العصاة الذين لا توبة لهم وعيدهم كائن مع وعيد الكفار ، وهذا هو مذهب المعتزلة. ومع احتمال أن يكون أولئك إشارة إلى الذين يوافون على الكفر ، ويرجح ذلك بأن فعل الكافر أقبح من فعل الفاسق ، لا يتعين أن يكون الوعيد مقطوعا به للفاسق. وعلى تقدير أن يكون الوعيد للفاسق الذي لا توبة له ، فلا يلزم وقوع ما دل عليه ، إذ يجوز العقاب ويجوز العفو. وفائدة وروده حصول التخويف للفاسق. وكل وعيد للفساق الذين ماتوا على الإسلام فهو مقيد بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣) وهذه هي الآية المحكمة التي يرجع إليها.
وذهب أبو العالية الرياحي وسفيان الثوري : إلى أن قوله : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) (٤) في حق المنافقين ، واختاره المروزي. قال : فرق بالعطف ، ودل على أنّ
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٨.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٧.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٤٨.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٨.