السدي أيضا في قوله : ما وراء ذلكم يعني النكاح فيما دون الفرج. والظاهر العموم إلا ما خصته السنة المستفيضة من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، فيندرج تحت هذا العموم الجمع بين المرأة وبنت عمها ، وبينها وبين بنت عمتها ، وبينها وبين بنت خالها ، أو بنت خالتها. وقد روي المنع من ذلك عن : إسحاق بن طلحة ، وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء. وقد نكح حسن بن حسين بن عليّ في ليلة واحدة بنت محمد بن عليّ ، وبنت عمر بن عليّ ، فجمع بين ابنتي عمّ. وقد كره مالك هذا ، وليس بحرام عنده.
قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا ، أبطل هذا النكاح وهما داخلتان في جملة ما أبيح بالنكاح ، غير خارجتين منه بكتاب ولا سنة ، ولا إجماع ، وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابنتي خالة انتهى. واندرج تحت هذا العموم أيضا أنه لو زنا بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لأجل زناه بها ، وكذلك لا تحرم عليه امرأته إذا زنا بأمها أو بابنتها. ولو زنا بامرأة ثم أراد نكاح أمها أو ابنتها لم يحرما عليه بذلك ، وعلى هذا أكثر أهل العلم. وروي عن عمران بن حصين والشعبي ، وعطاء ، والحسن ، وسفيان ، وأحمد ، وإسحاق ، أنهما يحرمان عليه ، وبه قال : أبو حنيفة. ويندرج أيضا تحت هذا العموم : أنه لو عبت رجل برجل لم تحرم عليه أمّه ولا ابنته ، وبه قال : مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه قالوا : لا يحرم النكاح العبث بالرجال. وقال الثوري ، وعبيد الله بن الحسن : هو مثل وطء المرأة سواء في تحريم الأم والبنت ، فمن حرم بهذا من النساء حرم من الرجال. وقال الأوزاعي في غلامين : يعبث أحدهما بالآخر فتولد للمفعول به جارية قال : لا يتزوجها الفاعل.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص : وأحل مبنيا للمفعول ، وهو معطوف على قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) (١). وقرأ باقي السبعة : وأحل مبنيا للفاعل ، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى ، وهو أيضا معطوف على قوله : حرمت. ولا فرق في العطف بين أن يكون الفعل مبنيا للفاعل ، أو للمفعول. ولا يشترط المناسبة ولا يختار ، وإن اختلف الفاعل المحذوف لقيام المفعول مقامه ، والفاعل الذي أسند إليه الفعل المبني للفاعل ، فكيف إذا اتحد كهذا ، لأنه معلوم أن الفاعل المحذوف في حرمت : هو الله تعالى ، وهو الفاعل المضمر في : أحلّ المبني للفاعل.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : علام عطف قوله : وأحل لكم؟ (قلت) : على الفعل
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٣.