المضمر الذي نصب كتاب الله : أي كتب الله عليكم تحريم ذلك ، وأحل لكم ما وراء ذلكم. ويدل عليه قراءة اليماني : كتب الله عليكم ، وأحل لكم. ثم قال : ومن قرأ (وَأُحِلَّ لَكُمْ) على البناء للمفعول ، فقد عطفه على : حرّمت عليكم انتهى كلامه. ففرق في العطف بين القراءتين ، وما اختاره من التفرقة غير مختار. لأن انتصاب كتاب الله عليكم إنما هو انتصاب المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله : حرمت ، فالعامل فيه وهو كتب ، إنما هو تأكيد لقوله : حرمت ، فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التأسيس للحكم ، إنما التأسيس حاصل بقوله : حرمت ، وهذه جيء بها على سبيل التأكيد لتلك الجملة المؤسسة وما كان سبيله هكذا فلا يناسب أن يعطف عليه الجملة المؤسسة للحكم ، إنما يناسب أن يعطف على جملة مؤسسة مثلها ، لا سيما والجملتان متقابلتان : إذ إحداهما للتحريم ، والأخرى للتحليل ، فناسب أن يعطف هذه على هذه. وقد أجاز الزمخشري ذلك في قراءة من قرأ : وأحل مبنيا للمفعول ، فكذلك يجوز فيه مبنيا للفاعل ، ومفعول أحلّ هو : ما وراء ذلكم.
قال ابن عطية : والوراء في هذه الآية ما يعتبر أمره بعد اعتبار المحرّمات ، فهو وراء أولئك بهذا الوجه. وقال الفراء : ما وراء ذلكم أي : ما سوى ذلكم. وقال الزجاج : ما دون ذلكم ، أي : ما بعد هذه الأشياء التي حرمت. وهذه التفاسير بعضها يقرب من بعض.
وموضع أن تبتغوا نصب على أنه بدل اشتمال من ما وراء ذلكم ، ويشمل الابتغاء بالمال النكاح والشراء. وقيل : الابتغاء بالمال هو على وجه النكاح. وقال الزمخشري : أن تبتغوا مفعول له ، بمعنى : بين لكم ما يحل مما يحرم ، إرادة أن يكون ابتغاؤكم بأموالكم التي جعل الله لكم قياما في حال كونكم محصنين غير مسافحين لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم ، فتخسروا دنياكم ودينكم ، ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين انتهى كلامه. وانظر إلى جعجعة هذه الألفاظ وكثرتها ، وتحميل لفظ القرآن ما لا يدل عليه ، وتفسير الواضح الجلي باللفظ المعقد ، ودس مذهب الاعتزال في غضون هذه الألفاظ الطويلة دسا خفيا إذ فسر قوله : وأحل لكم بمعنى بين لكم ما يحل. وجعل قوله : أن تبتغوا على حذف مضافين : أي إرادة أن يكون ابتغاؤكم ، أي : إرادة كون ابتغائكم بأموالكم. وفسر الأموال بعد بالمهور ، وما يخرج في المناكح ، فتضمن تفسيره : أنه تعالى بين لكم ما يحل لإرادته كون ابتغائكم بالمهور ، فاختصت إرادته بالحلال الذي هو النكاح